الزوجة الأولى كالأطرش في الزفة
«هذا زوجي وهؤلاء ابناؤه».. زوجات يعلمن بالزوجة الثانية بعد سنوات من الخداع
كان الصمت المُطبق والظلام الدامس يعمان منزل أية.ر، أربعينية، بعدما انتهت مراسم عزاء زوجها ورحل الأهل، فلم يعد سواها هُنا إذ توفي رفيق العمر وشق كل ابنائهم طريقه بمفرده، كانت تتأمل صورهما المنتشرة في أرجاء المنزل وشريط ذكريات حلوة ومُرة قضيناها معًا تتذكره أمامها.
سمعت طرق خفيف على باب المنزل، ظنت أن أحد المعزين نسى شيئًا خلال العزاء، فتحت الباب لتجد امرأة لا تعرفها تبدو ثلاثينية العمر وفي يدها طفلين وقسيمة زواج، لتخبرها أنها الزوجة الثانية لزوجها الذي لم يمر على وفاته سوى ساعات، كان قد تزوجها منذ عشر أعوام وأخفى عليها الأمر.
تقول أية: "لم أصدق ما أسمعه وقتها، سوى أن تلك السيدة كان بيدها قسيمة زواج حقيقية، وشهادتي ميلاد لابنائه الذين لا أعرف عنهم شيء، جاءت لتطالب بحقهما في الميراث، فبعد عشرة دامت 20 عامًا تفاجئت أن زوجي تزوج عليّ وأنا آخر من يعلم".
تلزم المادة 11 من قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1929، الرجل بذكر حالته الاجتماعية إذا كان متزوجًا أم أعزب، في قسيمة زواجه، وعلى الموثق إخطار زوجاته إن كان متزوجًا بالزواج الجديد بكتاب محل مقرون بعلم الوصول.
لكن تلك المادة لم تمنع رجالا كثيرين من التحايل عليها، والزواج مرة ثانية وثالثة دون علم الزوجة الأولى وإخطارها، أو ذكر الزيجة الأولى في قسيمة الزواج الثانية وإخفائها، وذلك لعدم وجود عقوبة لمن يخالف ذلك في القانون، ولعدم التزام الموثقين بإخطار الزوجة الأولى بالزواج الجديد.
ولذلك فإن آية وغيرها من السيدات يعشن سنوات طويلة مع أزواجهن دون أن يعلمن بالزيجات الأخرى، وكثير منهن يتفاجأن بها بعد الوفاة وتبدأ معارك على الميراث، بين تشكيك الزوجة الأولى في حق الثانية، وتمسك الثانية بحقها في الميراث وربما حق ابنائها بحسب الحكايات التالية.
تزوجت آية في سن العشرين بعد قصة حب طويلة، وأنجبت طفلتيها "جنا وهنا" في العام الأول من زواجهما: "لم يأت في مخيلتي يومًا أنه سيتزوج بأخرى ولمدة 10 أعوام وأنا لا أعرف شيء، فقد عشت معه 20 عامًا معتقدة إنني زوجته الوحيدة".
أخبرت آية ابنائها بإن والدهم لديه عائلة كاملة آخرى وأن تلك العائلة لديها حق في الميراث، إلا أن الابن الأكبر رفض ذلك واتهم زوجته الثانية بالتزوير: "إلى الآن لازالت معركة الميراث قائمة لعدم تصديق ابنائي بإن زوجي له زوجة أخرى وابناء".
يناقش حاليًا البرلمان مشروع قانون رقم 58 لفرض عقوبة على من يتزوج للمرة الثانية دون إعلام زوجته الأولى إذ يلزم الزوج بإقرار حالته الاجتماعية في وثيقة الزواج، وفي حال ما كان الرجل متزوجا فإنه عليه تبيين اسم الزوجة الأولى في الإقرار، أو الزوجات اللائي في عصمة الرجل ومحل إقامتهن.
كما ينص القانون إنه على موثق العقد (المأذون) إخطار الزوجة أو الزوجات الأخريات بالزواج الجديد، بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول، ووضع عقوبة من لا يخبر زوجته الأولى بالزواج الثاني، تتراوح بين الحبس لمدة لا تتعدى عامًا، وغرامة مالية تبدأ من 20 ألف جنيه وتصل إلى 50 ألف جنيه.
داليا.م، 74 عامًا، سيدة آخرى كانت ضحية إخفاء الزوجة الثانية وعدم تبليغ الموثق لها، والتي عقب وفاة زوجها لم تكن تعلم بزيجته الثانية وكانت هي وزوجته الثانية تعتقد كلًا منهما أنها الزوجة الأولى والوحيدة لعدم كتابة الموثق لحالته الاجتماعية.
تقول: "اكتشتف الموضوع لما عملت طلب إعلام وراثة لمحكمة الأسرة، وكتبت فيه الورثة الشرعيين لزوجي اللي كنت أعرفهم، وفي جلسة نظر الإعلام، فوجئت بأن المُحضر بيقولي أن المرحوم له زوجة وثلاثة أبناء مسجلين في سجلات الدولة وأنهم ورثة شرعيين".
تشير إلى أن الجلسة تم تأجيلها حتى يتم إخبار الزوجة الجديدة بالوفاة، ويتم توزيع ميراثه من جديد، بعدما تم اكتشاف أن له عائلة كاملة، لم تكن الزوجة الثانية أيضًا تعلم أنه متزوج طوال تلك المدة التي قاربت على 20 عامًا، دون علم إحداهما: "الموضوع عمل مشاكل بينا في الورث؛ لأن زوجته الثانية طالبت بالميراث".
يكشف أحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حجم ظاهرة التعدد مؤخرًا، حيث تبين أن عدد عقود الزواج للأزواج الذين سبق لهم الزواج بلغ 128.7 ألف عقد خلال عام 2019، منهم 44.870 ألف عقد زواج لرجل يجمع بين أكثر من زوجة.
مقابل 83.9 ألف رجل مطلق أو أرمل سبق له الزواج ولم يكن لديه زوجات بالعصمة عند العقد، ويشير تقرير الإحصاء، إلى أن عدد عقود الزواج لمن يجمع بين زوجتين بلغت 41.2 ألف عقد خلال عام 2019، بالإضافة إلى 2363 عقدًا لزوج يجمع بين 3 زوجات، و390 عقد زواج لمن لديهم 4 زوجات فى العصمة.
ويتركز العدد الأكبر من متعددى الزوجات بين حملة المؤهلات المتوسطة بعدد 15.533 ألف رجل يجمع بين زوجتين، و1154 رجل يجمع بين ثلاث زوجات و120 رجلًا يجمع بين أربع زوجات، وفق إحصاء المركزي للتعبئة العامة.
يليهم من يقرأ ويكتب بعدد 12.162 ألف زوج لديه زوجتان فى العصمة، 772 زوجا لديه 3 زوجات، و136 زوجا لديه 4 زوجات، بينما تذيل القائمة، حملة الدرجات الجامعية العليا بعدد 51 زوجا يجمع بين زوجتين، و9 أزواج لديهم 3 زوجات فى العصمة.
لم تختلف حكاية "نجوى" السيدة الخمسينية، التي عاشت طفولتها وشبابها في أسرة مكونة من أب وابنتين وابن، توفت الأم وهم في سن صغير، لم يكن أمامها سوى ابن عمها الأكبر لتتزوجه، لاسيما بعدما انتهت دراستها في أحد المعاهد المتوسطة، وجلست في المنزل تعمل على رعاية والدها وأشقائها.
"ربنا رزقني منه بولدين توأم ومخلفتش بعدهما، أبويا توفى، وأخويا سافر الكويت يشتغل وبقيت لوحدي بعد ما أختي الصغيرة اتجوزت"، نجوى توضح أنها ورثت أموال طائلة عن أبيها، وكان خطأها الأكبر بحسب وصفها أنها تنازلت عن نصيبها في الميراث لزوجها لينشئ به مشروعًا تجاريًا.
نجوى تقول: "في يوم لاقيته بيقولي أنه يعرف أسرة غلبانة وبسيطة ومش معاهم فلوس للسكن، وأنه هيأجر الشقة اللي تحتنا ليهم ويدفع إيجارها كنوع من الصدقة ووافقت". العائلة لم تكن سوى سيدة صغيرة في السن ولديها طفل لم يبلغ عام واحد، وأخبرتهم أن زوجها مسافر إلى الخارج.
مرت الأعوام، وأصبحت السيدة والفتاه صديقتان، تضيف: "في يوم نزلت لها أشوفها عايزة حاجة، لاقيت جوزي عندها وعرفت أنها مراته التانية، وأنا عايشة طول المدة دي زي الأطرش في الزفة، ومرات جوزي ساكنة تحت مني".
لم يمر سوى 6 أشهر على انفصالها، حتى علمت أن زوجها توفى هو وزوجته الثانية في حادث: "مفروض يكون فيه قانون إلزامي أن الزوج يخبر زوجته في حال رغبته في الزواج مرة تانية، وهي ليها الحرية في الانفصال أو الاستمرار، منعًا لأي مشاكل اجتماعية".
بينما يؤكد الدكتور عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتاوى الأسبق بالأزهر الشريف، أن الإسلام لم يشترط على الزوج إخبار زوجته قبل أن يتزوج مرة ثانية، موضحًا أن الشرط الوحيد الذي وضعته الشريعة الإسلامية لتبح للرجل مثنى وثلاث ورباع هو إقامة العدل بينهن.
الأطرش يشير إلى أن شعور إحداهن بالظلم هو من المعاصي الجسيمة التي يتحملها الزوج، لكن ليس واجبًا على الرجل إخبار زوجته قبل زيجته الثانية، مبينًا أنه الأفضل في بحكم المجتمع إخبار الزوجة الأولى لأنه حق إنساني وليس ديني.