دراسة أوروبية ترصد كيف نجح الإخوان فى اختراق ألمانيا
كشفت دراسة أعدها المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب عن مخاطر جماعة السلفية الجهادية والإخوان في ألمانيا وأسباب انتشارهم الكثيف في المجمتع الألماني.
وحول مخاطر السلفية الجهادية قال المركز إنها لها مواقف أكثر تشددًا في ترجمة النصوص الدينية، تصل إلى تكفير كل من لا يتبنى ذات المنهج، ما يقلل فرص أعضائه في الاندماج مع المجتمع ولا يؤمن بالديمقراطية أو التعددية.
والسلفية الجهادية تبرز خطورتها في عدم انتظامها في كيان واضح، ولكنها تنتشر عبر مجموعات من الدعاة يزداد نفوذهم بقوة خلال السنوات الأخيرة داخل المساجد والمراكز التعليمية، وتعتقد أجهزة الاستخبارات بتلقيها دعمًا ماليًا من خارج البلاد، ويتزعم دعوتها عناصر ولدت في ألمانيا وينطقون اللغة ببراعة ويعرفون مشكلات المجتمع جيدًا حتى يكونوا أكثر إقناعًا، ويعتمدون على الإنترنت لنشر أفكارهم.
وهو تيار يندرج تحت عبائته عدة تنظيمات ترى أن الجهاد هو الغاية الأساسية للدين الإسلامي، فضلا عن تفسيرات فقهية ترتبط بمبدأ الحاكمية المعتمد على قول الله تعالى (إن الحكم إلا لله) بما يحمله ذلك من تكفير للديمقراطيات والأنظمة السياسية الحديثة التي لا تطبق تفسيرات الدين وفقًا للتيار الذي يعرف أيضًا بالتطرف الإسلاموي.
ويقسم الكتيب الصادر عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV) حول السلفية منتسبي تيار السلفية الجهادية إلى فئتين، الأولى تنطوي على أهداف سياسية تريد تحقيقها ببطء عبر استخدام الشعارات الدينية، والثانية تحمل السلاح وتنفذ الهجمات لإحداث تغيير راديكالي سريع بالمجتمع كما يفعل داعش، إلا أن الفئتين لديهما نفس المعايير حول العنف واستخدام السلاح ولكن الأول يؤجله بعض الشيء حتى تحقيق أهدافه.
الإخوان المسلمين يتخذون ألمانيا ملاذًا آمنًا
كما ترسخت جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا منذ الستينيات على يد “سعيد رمضان”، واستطاع تولي رئاسة "المركز الإسلامي" في ميونخ الذي لايزال المقر الرئيسي للتنظيم.
وتسيطر الجماعة على عدة مراكز إسلامية في فرانكفورت (ماين) وماربورغ ونورمبرغ وشتوتغارت وكولونيا ومونستر وبراونشفايغ ومدن رئيسية أخرى، كما تم إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الوثيقة بين فرعي الإخوان المصريين والسوريين في عام 1994 عندما قام أنصارهم بتأسيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا (Zentralrat der Muslime in Deutschland (ZMD) ، المنظمة الجامعة للإخوان المسلمين في ألمانيا.
ويبلغ عدد قيادات تنظيم الإخوان المسلمين في ألمانيا حوالي (1350) قياديا، وتصنف الاستخبارات الداخلية الألمانية تنظيم الإخوان المسلمين على أنه يشكل مصدرا لتهديد الديمقراطية في ألمانيا وأنه أخطر من تنظيم داعش، حيث تسعى جماعة الإخوان في ألمانيا إلى جذب أنصار جدد باستمرار عبر استهداف الجاليات المسلمة وتنظيم طرح قضايا جذابة ونشاطات اجتماعية للجاليات المسلمة.
كما أكد السفير الألماني سيريل نون في 28 مارس 2021 أن الجماعات المحظورة في ألمانيا غير شرعية ولا يسمح لها بأي نشاط، وينطبق ذلك على جماعة الإخوان، وأضاف أن ألمانيا لن تكون ملاذا آمنا لتنظيم جماعة الإخوان لأي نشاط في البلاد إذا فكروا فى الرحيل إليها من أى دولة أخرى.
انطلاق خلية هامبورج من ألمانيا
كما لعبت خلية هامبورج شمال ألمانيا دورًا حاسمًا في الهجمات على الولايات المتحدة في عام 2001، حيث التقى بعض أعضاء الخلية أثناء دراستهم في إحدى الكليات الألمانية، ومن أبرز أعضاء الخلية المصري محمد عطا الذي وصل إلى هامبورج عام 1992، والإماراتي مروان الشحي، واللبناني زياد جراح والمغربيان سعيد بهاجي ومنير المتصدق.
وتردد أعضاء الخلية بشكل متكررعلى مسجد القدس في "هامبورج" والتقوا بالعديد من المتطرفين، من بينهم الداعية المتشدد محمد الفزازي وقبيل أحداث 11 سبتمبر2001، وزار بعض أفراد المجموعة معسكرات تدريب القاعدة في أفغانستان، وكان عطا والشحي هو من قاد الطائرات إلى كل من البرجين لمركز التجارة العالمي. في الولايات المتحدة الأمريكية.
شكل اكتشاف خلية هامبورج صدمة للسلطات الألمانية، لأنهم عاشوا بشكل غير واضح كـ"خلايا نائمة" لفترة طويلة، بالرغم أن الاستخبارات الألمانية كانت على علم بتطرف أعضاء خلية هامبورج دون معرفة مستوى التهديد الحقيقي للخطر الذي كان يمثلونه.
يقول مارتين هيس، النائب الألماني البرلماني في 10 يوليو الماضي إن "الشرطة الألمانية ليست قادرة على مراقبة هؤلاء الأشخاص الخطرين أمنياً بلا أي ثغرات، وذلك لأسباب قانونية وأسباب تتعلق بضعف الموارد البشرية في جهاز الشرطة"، مؤكدًا أنه لهذا السبب يتعين على الحكومة العمل على تصنيف أي اسلاميين ذوي خبرة في القتال كأشخاص خطرين أمنيًا أو ترحيلهم، أو احتجازهم طويلًا في الحبس الاحتياطي، إلى أن يصبحوا لا يشكلون مصدرًا للخطر.
تقديم الدعم اللوجستي لداعش من داخل ألمانيا
انتقل أحمد عبد العزيز عبد الله من العراق في عام 2000، واستقر مع عائلته في بلدة Tönisvorst في شمال الراين وستفاليا، أثبت نفسه كأكثر السلفيين الجهاديين نفوذاً في ألمانيا، ولقب بـ"أبو ولاء العراقي" وكذلك بـ"شيخ هيلدسهايم" و"الداعية الذي لا وجه"، وخطب في مسجد Deutschsprachiger Islamkreis بمدينة Hildesheim في ولاية سكسونيا السفلى.
وتحول المسجد لبؤرة التقاء السلفيين المتطرفين، ليس فقط من ولاية سكسونيا السفلى، بل من خارجها أيضًا ليصبح المسجد أحد مراكز المشهد السلفي الجهادي، يعتقد أن حوالي (20) رجلًا ممن غادروا ألمانيا للانضمام إلى تنظيم داعش في العراق وسوريا قد تحولوا إلى التطرف عبر المسجد الذي كان يخطب فيه.
بايع "أبو ولاء" تنظيم داعش وقام بإنشاء شبكة لتجنيد المقاتلين من الشباب الألمان، وقام بتقديم المساعدة للمجندين مالياً ولوجستياً للسفر إلى مناطق الصراعات بسوريا والعراق، وكان على اتصال بـ”أنيس عمري” منفذ هجوم سوق عيد الميلاد في برلين، وامتلك حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي كتطبيق Telegram وFacebook وبلغ عدد المعجبين بصفحته حوالي (25)ألف شخصا، وكان يبث أفكاره وخطبه على قناته الرسمية على YouTube وكان في معظم فيديوهات الداعية لا يظهر وجهه، امتلك تطبيقا خاصا باسمه Abu Walaa في متجر أبل، حيث كان بإمكان مستخدمي الهواتف الذكية من أنصاره تتبع نشاطاته.
وحكمت محكمة ألمانية في 21 فبراير الماضي على العراقي "أبو ولاء" بالسجن عشر سنوات ونصف، وذلك بتهم تمويل ودعم الإرهاب والمساعدة في التخطيط والتحضير لهجمات إرهابية والانتماء إلى منظمة أجنبية إرهابية واستقطاب وتجنيد الشباب التجنيد للقتال في مناطق الصراعات بسوريا والعراق.
وخلصت الدارسة الأوروبية إلى أنه ما زالت الجماعات الإسلاموية المتطرفة في ألمانيا توسع نفوذها تدريجياً في ألمانيا، ولا يزال السلفيون الجهاديون هم المصدر الأساسي للتجنيد والاستقطاب،، ويتضح من إحباط الأجهزة الألمانية للمخططات الإرهابية أن الجماعات المتطرفة لديها دوافع على تنفيذ هجمات إرهابية، رغم انخفاض مؤشر الهجمات الإرهابية، حيث تستغل السلفية الجهادية الواقع الافتراضي على الإنترنيت من خلال إنتاج محتوى متطرف يشمل مجموعة كبيرة وواسعة من الدعاية المتطرفة باللغة الألمانية على الإنترنت، وذلك لتوجيه المتطرفين الخطرين وذوي الصلوة إلى ممارسات التشفير وحماية الهوية الفعالة من الأجهزة الأمنية الألمانية.
وبالتوازي مع السلفية الجهادية يمتلك تنظيم الإخوان المسلمين حضورا قويا وسط الجاليات المسلمة في ألمانيا عبر المنظمات والجمعيات والمساجد التابعة لها، وتشير التقارير الاستخباراتية الألمانية إلى تحركات وأنشطة سرية للجماعات المتطرفة كتنظيم الإخوان والتي تهدف لتجنيد واستقطاب الشباب والأطفال وتغذية عقولهم بالأفكار المتطرفة.
تعتمد المنظومة الأمنية في أهم متغيراتها على منع وقوع الهجوم وإحباط الجرائم قبل تنفيذها، وهو ذات النهج الذي قصدته الحكومة الألمانية حين قررت استحداث برامج متطورة لتصنيف خطر الجماعات الإسلاموية المتطرفة، إلى جانب تدعيم قدرات أجهزتها في معالجة الإشكاليات القانونية المرتبطة باحتمالات العنف الناشئ عن عودة الدواعش الألمان من سوريا والعراق بعد سقوط التنظيم.
وبذلت ألمانيا جهودًا واسعة في محاربة التطرف والإرهاب ونجحت بشكل جيد بالحد من انشطة الجماعات المتطرفة، من خلال وضع بعض المنظمات والجمعيات تحت المراقبة والبعض الآخر تم حظرها، ماعدا ذلك نجحت الاستخبارات الالمانية أيضا في تفكيك خلايا متطرفة إسلاموية قبل تنفيذها عمليات إرهابية، وهذا يعني أن الاستخبارات الألمانية لديها متابعة دقيقة للجماعات المتطرفة، وتتبعها وجمع الأدلة والشواهد، وهذا ما جعل موقف الاستخبارات الألمانية أقوى من السابق.