الأفضل والأضيع والأكثر ضياعًا
كل سنة وأنتم بخير، أعاده الله عليكم بالخير والبركات ودون كورونا. كالعادة ضاع معظم الشهر فى مشاهدة المسلسلات، بحلوها ومرها، ولن يبقى فى الذاكرة سوى الأعمال التى أبكتنا وأضحكتنا بجمالها، والأعمال التى أبكتنا وأضحكتنا بسخافتها.
مسلسلات الوقت الضائع
لا أذكر من القائل إن الفن هو اختزال الاختزال، ربما كان الشاعر نزار قبانى، ولكن المعنى قديم جدًا، وكان الشعراء العرب يتبارون فى قول أكبر المعانى بأقل قدر من الكلمات.
فى الدراما التليفزيونية العكس هو المبدأ والمنتهى. كلما استطعت أن تطيل وتزيد وتربد وتزبد فى قول ما تريد، علت أسهمك فى سوق الكتابة والإخراج.
فى مسلسلات زمان كان جرس باب الشقة يرن فتقوم البطلة أو خادمتها بالاستيقاظ من النوم على مراحل، ثم تبدأ فى النداء على من يطرق الجرس: «أيوه ياللى بترن.. أنا جاية أهو.. يا ترى مين جايلنا الساعة دى.. استر يا رب»، وهكذا لمدة دقائق، وبعد أن ترتدى ملابسها وتضع زينتها وغطاء رأسها، وتتحدث لكل قطعة أثاث تمر بها، تفتح الباب أخيرًا، فنكتشف أن جارتها جاءت فقط لتقول لها صباح الخير.
الآن بعد تطور فن الفيديو ودخولنا عصر الكاميرات الرقمية والـ«سمارت تى فى»، أصبحنا نهتم بالصورة أكثر، وبالرغم من أن المثل يقول صورة واحدة تغنى عن ألف كلمة، فإن مبدأ صناع الدراما لدينا هو أن ألف صورة يمكن ألا تقول كلمة واحدة! وهناك مسلسلات تجلس فيها الشخصيات فى غرفة المعيشة بالدقائق تلعب فى الموبايل أو تشاهد التليفزيون بلا هدف، مثلنا فى رمضان، قبل أن يفتح الله أخيرًا على أحدهم بكلمة، ليس لها هدف أو معنى.
هذا العام شهدنا عملًا ينبغى تدريسه فى معاهد الدراما العالمية فى كيفية تضييع الوقت وحشو الحلقات وحلب الأموال دون مجهود، وهو «خلى بالك من زيزى».
لا أعتقد أنه سبق فى تاريخ الدراما المصرية، أو التركية، أو حتى الهندية، أن حدث ما شاهدناه فى «زيزى» من استهتار بوقت وعقل المشاهدين. المسلسل الذى يتكون من خمس عشرة حلقة، كان يمكن اختزالها فى ٧ حلقات فقط بحكم قماشة الموضوع وحدود الشخصيات، حظيت حلقاته الأولى بترحيب وقبول ملحوظ، خاصة أنه العمل الكوميدى الوحيد فى رمضان، إذا استثنينا العمل التراجيدى «أحسن أب».
ويبدو أن صناع «زيزى» لم يصدقوا أنفسهم بسبب الاستقبال الذى حققته حلقاته الأولى، فقرروا أن يسعدوا قلوب المشاهدين بتحويله إلى ثلاثين حلقة بدلًا من خمس عشرة حلقة، وهكذا قرروا أن يجتمعوا بالممثلين يوميًا لمدة أسبوع، لتصوير بعض الجلسات فيما بينهم وإرسالها إلى المحطات باعتبارها حلقات إضافية.
هل يمكن أن يتخيل المرء أن يقوم صناع عمل ما خلال أيام معدودة بإضافة خمس عشرة حلقة كاملة على مسلسل يجرى عرضه بالفعل وقارب على الانتهاء؟
إنها معجزة لا يقدر عليها سوى عباقرة الدراما المصرية. أو بمعنى أصح إنها مهمة سهلة للغاية بالنسبة لصناع الدراما المصرية: لقد جعلوا كل اثنين أو ثلاثة من الممثلين يجلسون معًا ويثرثرون، بشرط ألا ينسوا أسماء شخصياتهم فى المسلسل وألا يتوقفوا عن الثرثرة إلا بعد عشر دقائق على الأقل، وهكذا تم تعليب خمس عشرة حلقة من الحشو واللغو لا مثيل لها فى تاريخ الحشو واللغو.
فى المقدمات والنهايات
اضرب نحو ٢٥ مسلسلًا فى ٣٠ حلقة فى ٥ دقائق يساوى ٣٧٥٠ دقيقة، يعنى نحو ٦٢ ساعة من مقدمات ونهايات المسلسلات، كان يمكن فيها عمل ست مسلسلات مدة كل منها عشر ساعات، وتتبقى ساعتان لعمل مقدماتها ونهاياتها.
فى مواعظ عم حسن
اضرب متوسط ٥ دقائق فى ٣٠ حلقة يساوى ١٥٠ دقيقة، يعنى ساعتين ونصف الساعة من مواعظ نبيل الحلفاوى، أو عم حسن، فى مسلسل «القاهرة: كابول» كان يمكن فيها عمل فيلم ملحمى، أو مسلسل فى خمس حلقات.
فى الوطنية والمسلسلات الخليجية
بجانب «الاختيار ٢» و«هجمة مرتدة» و«القاهرة: كابول»، التى تقدم وجبة «وطنية» مباشرة، هناك مسلسل كويتى إنتاج خليجى اسمه «سما عالية»، إخراج محمد الدحام الهمشرى وتأليف صالح النبهان، يدور جزء كبير منه فى مصر فى فترة الستينيات، ويرسم صورة رائعة لمصر «العلم والتقدم والتنوير» التى نحلم بها، والتى حلم بها أشقاؤنا العرب، قبل أن تهب عواصف التطرف والتخلف على المنطقة، وقبل أن يغرق كل إقليم عربى فى «الشوفينية» الكريهة. وأتمنى أن يعرض «سما عالية» على الفضائيات المصرية.
فى أفضل الأعمال
رغم أى ملاحظات يجب أن نقول إن الدراما المصرية تشهد تطورات ملحوظة على مستوى التقنيات البصرية، لا يقابلها تطورات تذكر على مستوى الكتابة والمضمون، مع استثناءات جديرة بالتحية والمشاهدة الثانية والثالثة. فيما يلى تصورى عن أفضل هذه الأعمال.
أفضل مسلسل: «لعبة نيوتن» و«الاختيار ٢».
أفضل إخراج: تامر محسن وبيتر ميمى.
أفضل سيناريو: «لعبة نيوتن».
أفضل ممثلة: منى زكى، عائشة بن أحمد.
أفضل ممثل: محمد ممدوح فى «لعبة نيوتن».
أفضل ممثلة مساعدة: عائشة عبدالرحمن فى «لعبة نيوتن»، تارا عماد فى «ضد الكسر»
أفضل ممثل مساعد: محمد محمود فى «نجيب زاهى زركس».
أفضل تصوير: الاختيار ٢.
أفضل مونتاج: الاختيار ٢.
أفضل موسيقى تصويرية: تامر كروان «لعبة نيوتن».
أفضل أغنية تتر: الاختيار ٢.