صدور رواية «مجد متأخر» للكاتب النمساوي أرتور شنيتسلر
أصدر مشروع "كلمة" للترجمة في مركز أبوظبي للغة العربية بدائرة الثقافة والسياحة رواية "مجد متأخر" للكاتب النمساوي أرتور شنيتسلر، نقلها إلى العربية المترجم أحمد فاروق، وراجعها مصطفى السليمان، ورسمت الغلاف تيريزا هايا.
تعد رواية "مجد متأخر" من بين أعمال عديدة كتبها الكاتب والمسرحي النمساوي الشهير أرتور شنيتسلر وأودعها دُرج مكتبه وظلت ضمن تركته الأدبية، ولم تُنشر حتى عام 2014 بتحقيق وتحرير فيلهلم هيميكر ودافيد أوسترله، اللذين يعرضان بشكل وافٍ في خاتمة الكتاب تفاصيل اكتشاف هذا العمل ونشأته.. وليست "مجد متأخر" ببعيدة أيضا عن خط الكتابة الذي انتهجه شنيتسلر وهو سبر العوالم الداخلية لشخصياته.. وتعد الرواية شكلاً من الأشكال الأدبية الأثيرة التي يستعين بها شنيتسلر، لأنها تتيح تتبع التطور النفسي للشخصية الرئيسية للعمل، وهي هنا في حالة الشاعر العجوز زاكسبرغر الذي كتب ديواناً وحيداً في حياته ثم دخل في غياهب الحياة الوظيفية ونسي الشعر والأدب إلى أن اكتشفته مجموعة أدبية شابة وقررت أن تجعله حاملا للوائها الأدبي.
يتتبع الراوي بدهاء ما يجول في نفس الشاعر الهرم من تقلبات، ويسخر أيضا من تطلعات الأدباء الجدد.. من الواضح أن شنيتسلر قد كتب هذه الرواية من وحي تجربته ضمن جماعة "فيينا الشباب" التي ضمت كتّابا مثل هوغو فون هوفمانشتال وفيليكس زالتن (مؤلف "بامبي" التي تحولت لفيلم سينمائي شهير) وهيرمان بار.. لا يوجد فارق زمني كبير بين تأسيس هذه الجماعة في أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر وكتابة الرواية ما بين عامي 1894 و1895.. أراد شنيتسلر تسليط الضوء بشيء من التهكم على الأجواء التي سادت الأوساط الأدبية آنذاك.
أرتور شنيتسلر (1862-1931) يعد الكاتب والمسرحي والطبيب النمساوي الشهير، أحد أبرز ممثلي مدرسة الحداثة الفييناوية، كما أنه رائد لتيار الوعي في الأدب الألماني، وقد تميزت أعماله بالجرأة الشديدة ويتناول قضايا شائكة كالخيانة الزوجية والشهوانية، وسلوكيات طبقة الضباط في الإمبراطورية النمساوية ومعاداة اليهود وغيرهم.. وقد تعرضت أعماله المسرحية للمنع في فيينا وبرلين، كما كان شنيتسلر من ضمن الكُتّاب الذين أحرق النازيون أعمالهم عام 1933، بعد استيلائهم على السلطة، لكن تأثيره الأدبي ظل حيّاً ونابضاً إلى يومنا هذا، وهو من جيل سيغموند فرويد صاحب مدرسة التحليل النفسي التي أحدثت نقلة كبيرة في تشريح النفس البشرية ومحاولات سبر غورها، وقد تصادف أن كليهما درس الطب في فيينا وكانا على دراية تامة بإنجاز بعضهما البعض ولكنهما لم يلتقيا واكتفيا بتبادل الرسائل التي تعبر عن إعجاب وتقدير كل منهما للآخر.. كان فرويد يعتبر أن شنيتسلر يصل من خلال أعماله الأدبية إلى نتائج مشابهة لتلك التي وصل إليها هو من خلال التحليل النفسي.
يشير الكاتب الألماني فلوريان إيليس في كتابه "1913" إلى هذا التشابه، فمقابل كتاب فرويد "تفسير الأحلام" نجد رواية "حلم"، ومقابل "عقدة أوديب" لدى فرويد نجد رواية "بيآته وابنها" لشنيتسلر.. إلا أنهما تجنبا على ما يبدو أي لقاء مباشر، ويفسر إيليس ذلك بأنهما كانا أشبه بمغناطيسين بقطبين متشابهين، ما جعل لقاءهما مستحيلا، لكن شنيتسلر أشار مرارا إلى أنه أكثر تحرراً من فرويد الذي كان يسعى ربما بدوغمائية إلى إثبات صحة نظرياته.
المترجم أحمد فاروق ولد في الجيزة بمصر عام 1971، درس الإعلام في جامعة القاهرة والترجمة في كلية علوم اللغة والثقافة التطبيقية في غرمرسهايم/جامعة يوهانيس غوتنبرغ- ماينتز بألمانيا، يعيش في ألمانيا منذ عام 1996.. من بين ترجماته عن الألمانية روايتا "سنوات الكلاب" لغونتر غراس و"ليبيديسي" لغيورغ كلاين، وكتاب "طفولة برلينية عند مطلع القرن العشرين" لفالتر بنيامين.. صدرت له مؤخراً ترجمة كتاب "حلقات زحل" لـ ف. غ. زيبالد.