محمد عبدالرحمن يكتب: «الاختيار 2».. «الدراما الوثائقية» دون تزييف
«هل يمكن أن نعتبر الاختيار ٢ دراما وثائقية؟» وجهت السؤال للسيناريست الصاعد بقوة هانى سرحان ورد بالإيجاب، مؤكدًا أن المجهود الأكبر المبذول فى تحضيرات العمل مع المخرج بيتر ميمى كانت فى انتقاء الأحداث والشخوص الحقيقية وإعادة مزجها مع الأحداث الدرامية المتخيلة، ليخرج فى النهاية نسيج واحد لا يشعر الجمهور وهو يتابعه مشهدًا تلو مشهد ولقطة بعد أخرى، أنه يشاهد عملًا وثائقيًا جافًا أو عملًا دراميًا متخيلًا.
تلك هى المهمة الصعبة التى نجح فيها سرحان وميمى ومن خلفهما كل من عمل فى كواليس هذا المسلسل، وتلك هى الإضافة التى قدمتها ثنائية الاختيار للجمهور العربى حتى الآن، أقول العربى لأن أصداء المسلسل القادمة عبر الحدود واضحة منذ الجزء الأول، أما الإضافة فتتلخص فى أن المسلسل هو أول عمل ينتمى لنوعية الدراما الوثائقية ويحقق هذا النجاح الجماهيرى ويدخل كل البيوت، حتى الغاضبون منه، المشككون فى حقائقه، يفعلون ذلك بسخط بالغ، لأنهم يعلمون مدى تأثير الدراما الوثائقية على ذهنية المتفرج، وكيف يمكن أن تغير الكثير مما اعتبره مناصرو هذه الفئة ثوابت نجحوا فى زرعها باستخدام معلومات مضللة ومنقوصة طوال السنوات السبع الماضية قبل أن تأتى الثنائية وتغير المعادلة من جديد.
الدراما الوثائقية، كما نعرفها، تقوم على تقديم عمل وثائقى بالمعنى الفنى للكلمة بداخله بعض المشاهد الدرامية، لكن فى الاختيار ٢ تمتزج الحقيقة بالخيال بريشة فنان ماهر، لدرجة أن البعض سأل: هل قصة الحب بين يوسف «أحمد مكى» وعالية «أسماء أبواليزيد» حقيقية أم متخيلة، ورغم أنها من خيال هانى سرحان لكن من ينفى أنها قابلة للتحقق فى الواقع وبنفس التفاصيل، وجود قصة الحب فى حد ذاتها إضافة قدمها الجزء الموازى ليؤكد أن «رجال الظل» يعيشون حياتهم الطبيعية وهم ينفذون مهام الدفاع عن الوطن فى واحدة من أصعب المعارك التى خاضتها مصر فى تاريخها المعاصر، معركة ليست ضد دولة أو جيش معاد، وإنما ضد فكر إقصائى مستعد لتدمير كل شىء حتى يجلس على عرش مصر.
أقول إنه جزء مواز وليس جزءًا ثانيًا، فقط لألفت الانتباه إلى أننا نرى ماذا كان يحدث داخل وزارة الداخلية بالتزامن مع ما كان يفعله أحمد منسى ورجاله، فى كل تاريخ شاهدناه فى الجزء الأول، كان هناك رجال آخرون يبذلون الدم والجهد على جبهة أخرى فى نفس التوقيت وربما فى نفس الموقع، وهو ما يجعل الثنائية متكاملة متشابكة ويبرر لماذا استعان بيتر ميمى بمشاهد وممثلين من الجزء الأول ليكملوا بعضًا مما قدموه العام الماضى، لأن الصورة لا تتكامل إلا برجال الشرطة والجيش جنبًا إلى جنب.
ساعد فى نجاح الدراما الوثائقية هذا العام، وجاذبيتها للجمهور ليس فقط الكاريزما التى يتمتع بها بطلا العمل، كريم عبدالعزيز وأحمد مكى، وإنما كونهما يقدمان شخصيتين حقيقيتين لكن دون ذكر تفاصيلهما الرسمية، ما سهل لسرحان وميمى أن يتحركا بحرية دون مقارنة مع الشخصيات الأصلية التى لا يعرفها الجمهور، وهو ما يضيف قاعدة أخرى للدراما الوثائقية الفاعلة، قاعدة تقول إنك لست بحاجة للبحث عن ممثل يشبه الشخصية الأصلية، ولا أن يقلده فى كل شىء خصوصًا لو أن الشخصية غير معروفة للجمهور، المهم هو توثيق الأحداث كما جرت وبما يخدم الدراما ويجذب المتفرجين، والأهم تضفير التفاصيل الصغيرة داخل الخطوط الدرامية الرئيسية دون أن يشعر الجمهور بأن هذه التفصيلة أو تلك مقحمة ولا داعى لها، تمامًا كما حدث فى مشهد الفنان هشام ماجد وظهور صوت دعاء حقيقى لأم أحد الضباط، لم يذكر المسلسل اسمه، معلومة عن دعاء سجله ضابط عمليات خاصة لوالدته وبات يسمعه مع زملائه فى كل عملية مداهمة، تم وضعها داخل المسلسل وعرف الجمهور لاحقًا أن الصوت كان حقيقيًا، لتتجلى فى هذا المشهد تحديدًا قدرات المخرج ومعه المؤلف فى إقناع الملايين بأنهم يشاهدون عملًا يجمع بين الحقيقة دون تزييف، والخيال دون افتعال.