عصام زكريا يكتب :البلطجية اشتكوا
يعتقد البعض أن محمد رمضان هو مخترع وصاحب توكيل «البلطجة» فى الأفلام والمسلسلات، وهذا غير صحيح، فـ«البلطجة» ليست فقط ظاهرة اجتماعية خطيرة نرى معالمها وآثارها يوميًا فى الشوارع، ولكنها أيضًا ظاهرة «درامية» تزداد مساحتها سنويًا فى مسلسلات رمضان، التى تعد بانوراما مجمعة مكثفة لأحدث ما وصل إليه هذا الفن، ولأحدث ما وصل إليه مجتمعنا من مشاكل وظواهر.
هناك مسلسلات هذا العام لا تكاد تخلو واحدة من حلقاتها من معركة بين عدد من البلطجية والخارجين على القانون، يعيشون كما لو أنهم فى دولة خاصة بهم، أو كما تقول أغنية مقدمة مسلسل «ملوك الجدعنة»:
«إحنا دولة يا صاحبى جوه دولة.. توكلنا تملى على المولى.. أصل إحنا عتاولة».
«ملوك الجدعنة» ليس وحده، يكفى أن تشاهد أى حلقة من مسلسل «لحم غزال».. لتتأكد أن المسألة ليست فردية «مرتبطة برمضان أو غيره» وليست صدفة درامية، فكما تقول إحدى الشخصيات المخابراتية فى مسلسل «هجمة مرتدة»: «لا يوجد شىء اسمه الصدفة فى عملنا» وهو أمر ينطبق على الفن والدراما أيضًا.
من اللافت مثلًا أن «ملوك الجدعنة» من تأليف كاتبة امرأة هى عبير سليمان، وهو ما يشير إلى أن الموضوع لم يعد أيضًا مقتصرًا على بعض الكتاب الرجال من أصحاب «الخيالات الذكورية العنيفة»، ولكنه يعكس حاجة ملحة للتعبير عنها.
يدور «ملوك الجدعنة» إخراج أحمد خالد موسى، حول اثنين من الأصدقاء «مصطفى شعبان وعمرو سعد» يعيشان فى حارة شعبية تشهد كل يوم معارك بالسيوف والأسلحة الثقيلة تروح ضحيتها أرواح، ولا يستطيع البوليس أن يسيطر عليها أو الوصول إلى القتلة. ويستعرض المسلسل بإعجاب طريقة حديث مصطفى شعبان ولغة جسده «الشعبية»، كما يستعرض عضلات عمرو سعد الذى يظهر نصف عارٍ كل حلقة، بجانب استعراضه مهاراتهما الخارقة فى استخدام عضلاتهما والأسلحة البيضاء «والسوداء!»، للقضاء على خصومهما من رجال العصابات، وعلى رأسهم عمرو عبدالجليل «المافيوزو» «رجل العصابات» الأكثر شرًا.
فيما تكتفى الشرطة غالبًا بموقف المتفرج العاجز عن مواجهة هذا العنف أو اعتقال المجرمين، وهو عالم قد يكون مقتبسًا من أفلام «العصابات» الأمريكية، أو من الفيلم الفرنسى الشهير «بورسالينو» الذى لعب بطولته آلان ديلون وجان بول بلموندو، وقد سبق أن شاهدناه فى أعمال مثل «سلام يا صاحبى» لعادل إمام وسعيد صالح، و«الصعاليك» لمحمود عبدالعزيز ونور الشريف وغيرها من قصص الصديقين اللذين يشقان طريقهما عبر عالم الإجرام وصولًا إلى القمة «قبل أن يتحولا إلى عدوين يقضى كل منهما على الآخر، وهى نهاية محتملة لملوك الجدعنة».
قد يكون هذا العالم «مقتبسًا» بالفعل، ولكنه اقتباس الغرض منه وصف حالة مشابهة فى الواقع، حالة لم تدرس بشكل كافٍ بعد، ولم يقم أحد من الكتاب وصناع الدراما بالاستغراق فى تفاصيلها المصرية «الواقعية» حتى الآن، بالرغم مما تنشره الصحف ووسائل الإعلام وما تعج به قاعات المحاكم وأقسام الشرطة من قصص تستحق أن تروى.
صورة أكثر خيالية للواقع نجدها فى مسلسل «لحم غزال» الذى كتبه إياد إبراهيم ويخرجه محمد أسامة والذى تلعب بطولته غادة عبدالرازق وشريف سلامة ووفاء عامر وعمرو عبدالجليل أيضًا فى دور الشرير الأكثر شرًا.
بما أننا فى شهر الإقبال على أكل اللحوم، فإن مسلسل «لحم غزال» يعرض لكم أكبر كمية من اللحم هذا العام. وبما أن الرقابة باتت تتشدد حول مساحات العرى الأنثوى على الشاشات، فقد عوض صناع «لحم غزال» هذا النقص بعرض مساحات أكبر من لحم الحيوانات المذبوحة، ومن مساحات أجساد الرجال التى تنزف منها الدماء أو المشوية مثل الخراف.
فى «لحم غزال» تستبدل الحارة الشعبية بسوق صناعية تشبه سوق العبور أو السوق فى فيلم «الفتوة»، حيث يعيش الباعة ويتصارعون فيما بينهم، والصراع هنا للاستحواذ على أكبر نصيب من الرزق، وتستخدم فى هذا الصراع كل الوسائل بما فى ذلك القتل علنًا. وتدخل على السوق امرأة غامضة من أصل ثرى تدعى أنها بائعة «كوارع» و«لحمة راس» «غادة عبدالرازق» مع خادمتها «مى سليم»، وهذه المرأة تبحث عن ابنها الذى قام أبوه بخطفه، وهى مدمنة كوكايين، ومستعدة لفعل أى شىء لاستعادة هذا الابن، حتى إنها فى الحلقة الثانية تقوم بحرق أحد الرجال حيًا. ولا تكاد تخلو حلقة واحدة من المسلسل من مشاهد العنف بالأسلحة البيضاء التى يتفنن المخرج فى تصويرها وهى تقطع الأجساد، كما لا يخلو، مثل كل أعمال غادة عبدالرازق، من ربط العنف بالاشتهاء الجنسى والتحرش والاغتصاب.
هنا أيضًا تقف الشرطة موقف المتفرج لا تستطيع إيقاف هذا العنف والإجرام أو القبض على مرتكبيه. ولا يعنى ذلك أن صناع المسلسلات يقصدون لوم الشرطة، لأن الدراما لها منطقها الخاص، وغالبًا ما نرى وصول الشرطة متأخرة فى الأفلام والمسلسلات المصرية والأجنبية، ولكن المقلق حقًا هو الواقع العنيف الذى تشير إليه هذه الأعمال، حتى لو كانت تعج بالمبالغات!.