«الهرش وعواد وغيرهما».. بطولات أهالي سيناء قبل وأثناء حرب 1973
مضى ما يقرب من 47 عامًا على حرب بذلنا فيها كل غالٍ ونفيس، كان كل همنا فيها تحقيق الانتصار على العدو الذي اغتصب أرضنا، فلم يهدأ لزعمائنا بال حتى انتصرنا واستعدنا كل شبر من أرضنا المحتلة، وكان الشعب بأكمله جنودًا لاستعادة الأرض والعرض.
تلك الحرب المجيدة هي حرب أكتوبر التي سطرها التاريخ يوم 6 أكتوبر عام 1973، وفيها نجحنا في عبور أسطورة خط بارليف، وخلال تلك المعركة لم يكن الجنود وحدهم الموجودين على الجبهة للتخلص من المغتصب إنما رافقهم أبناء سيناء الذين سجلوا أسمائهم في سجلات التاريخ، للبطولات التي قاموا بها ولا تقل أهمية عما قدمه الجنود وقيادات القوات المسلحة، فكانت لهم أدوار يرويها لنا أبناؤهم وأحفادهم، الذين سيظلون رافعي راية الفخر والشرف لانتمائهم إلى سلالة هؤلاء الأبطال.
وهؤلاء الأبطال لم تبدأ حكاياتهم فقط أثناء معركة 6 أكتوبر إنما كانت ترتيبات ما قبل هذا اليوم بسنوات لا تقل أهمية عما حدث وقتها.
- السواركة: المرأة السيناوية كانت رادار المخابرات في حربها على العدو الصهيوني
بدايتنا كانت مع الشيخ عماد أبو عيد السويركي، رئيس الاتحاد الوطني للقبائل المصرية، الذي قال: إن كثرة الأحداث التي شهدتها سيناء إذا سطرناها في حروف قليلة سنظلم بطولات العديد من شهدائنا، ولم يغفل السويركي دور المرأة السيناوية التي كانت بمثابة رادار يرصد كل تحركات العدو لتنقلها إلى أجهزة المخابرات المصرية.
وشرح "السويركي"، خلال حديثه مع "الدستور"، أن هذا الدور كان من خلال سيرها في الطرقات لرعاية الغنم، فسيدات البوادي نظرًا للمناخ الذي تربت فيه فهي لا تخاف ولا تعرف سوى الله ورسوله وكيفية الحفاظ على أرضها وعرضها، لذا فإن دور السيدات في البطولات لا يقل عن الرجل، لكن نقول إنه من عاداتنا وتقاليدنا أن ذكر المرأة في أي شئ من العيب ليس تقليلًا من دورها بل حفاظًا على كينونة وسمو المرأة عند الرجل الذي هو خادم لها، ورغم أن التعليم كان صعبًا على المرأة لبعُد المسافة بين منزلها ومكان العلم إلا أن عقلها مثل الكمبيوتر وعينيها زي الرادار يرصد من يعادي الدولة المصرية.
- محمد الهرش: جدي أوهم الإسرائيليين بانفصال سيناء عن مصر
البطولة الثانية كانت للشيخ سالم علي سالم الهرش، الذي ولد عام ١٩٠٧، نشأ في منزل والده "علي الهرش" والذي كلفه الملك فاروق بحراسة الحدود من خلال قبيلته التي كان هو شيخها وزعيمها وصدر مرسوم ملكي بتعيينه شيخ حكومي، ثم حُكم عليه بالإعدام لحرقه معسكرات الإنجليز، لكن صدر عفو ملكي من الملكة البريطانية بعد تدخل الحاكم العسكري البريطاني.
ويروي قصته لـ"الدستور" حفيده محمد سالم الهرش، فيقول إن بداية بطولات جده مع الجيش المصري كانت أيام العدوان الثلاثي عام 1956، فكان ضمن المتطوعين في صفوف القبائل السيناوية ضد العدوان، وضمن القائمين بحشد شباب القبائل للقتال ضد الصهاينة، واستكمل دوره القومي في حرب نكسة 5 يونيو 1967، حيث أنشأ نقاط تجمع وتأوي جنودنا من صحراء سيناء وقدم لهم والمأكل والملبس البدوي كحركة تمويهية، ليظن العدو أنهم ضمن القبائل البدوية وغير مسلحين.
وتذكر معنا "الهرش" أيضًا أن جده كان له دوره في تسيير دوريات من شباب القبائل داخل الصحراء للم شمل الجنود الذين تاهوا في الصحراء أثناء عودتهم لوطنهم، وذلك من خلال ممر ملاحات بورفؤاد، القريب من مدينة بورسعيد، ثم جمع كافة الذخائر والأسلحة والمعدات من المعسكرات المصرية والمهجورة وتخلص منها بالتعطيل والتفجير، كنوع من التأمين حتى لا يعيد العدو استخدامها، وذلك بناء على تكليف من المخابرات المصرية برئاسة اللواء عادل فؤاد، والتي كان على اتصال دائم معها.
وأشار الحفيد إلى أن الشيخ علي كان شيخ قبيلة البياضية وشيخ مشايخ قبائل سيناء في ذلك الوقت، وكان حلقة الوصل بينه وبين المخابرات محامي يُدعى سعيد لطفي، رئيس محكمة العريش، تجلّى دور "الهرش" في تلك اللحظة التي طلبت القيادات الإسرائيلية منه الموافقة على تحويل سيناء إلى دولة يكون "الهرش" رئيسها، لكنه ترك طلبهم معلقًا لحين تواصل مع المخابرات المصرية من خلال "لطفي"، الذي أبلغهم بنوايا إسرائيل التي تسعى لفصل سناء عن مصر، ومن ثمّ جاءه الرد بمسايرتهم والموافقة على مخططاتهم.
في 31 أكتوبر 1968، كان الموعد المرتقب لإعلان سيناء انفصالها عن مصر كما خطط الصهاينة، فأقاموا مؤتمرًا في مدينة الحسنة بشمال سيناء في خيام ضخمة، عقب احتلالها لشبه جزيرة سيناء، ودعت فيه ممثلين عن الأمم المتحدة وجميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ومخرج سينمائي إيطالي لتصوير المؤتمر، وكانت إسرائيل أطلقت دعاية ضخمة لهذا المؤتمر قبل انعقاده بشهور.
وجاءت اللحظة الحاسمة حين جاء دور "الهرش" في إلقاء كلمته أمام جولدا مائير، رئيس وزراء إسرائيل، وموشيه ديان، وزير دفاع إسرائيل، والتي كانت كالصاعقة التي قتلتهم، فقال فيها ما معناه أنهم محتلون غزاة وسيناء مصرية خالصة لا تفاوض عليها، والسيناوية مصريون لا يقبلون تسليمها للمحتل، وإذا أرادوا التفاوض فعليهم الذهاب إلى رئيسها جمال عبدالناصر، وتم اعتقال "الهرش" من قبل إسرائيل، لكن في طريقهم لإحدى المعسكرات الإسرائيلية قامت قوة من الكوماندوز المصري بتحريره وتهريبه إلى القاهرة عن طريق المملكة الأردنية.
توفي "الهرش" عن عمر يناهر 84 عامًا، وتم دفنه في مسقط رأسه قرية رابعة محافظة شمال سيناء، واختتم حفيد البطل الهرش حديثه معنا بـ: "أخيرًا كلمة أوجهها لجدي إننا على الدرب سائرون لا نغير ولا نبدل نعاهد الله وأنفسنا على حماية وطننا العزيز مصر ونُضحي بكل غالي ونفيس من أجل رفعة مصرنا الغالية وجيشنا العزيز ونقف قلبًا وقالبًا مع قواتنا المسلحة في حربها ضد العناصر الإرهابية، فهنا في سيناء كلنا جنود لخدمة وطننا الغالي".
- محمود عواد: أسر أول إسرائيلي ضمن العمليات الفدائية
الحكاية الأخيرة في سطورنا هي الفدائي محمود عواد، والتي سطرها خلال مجموعة المؤرخين 73، وهي مؤسسة مؤرخي مصر للثقافة (المجموعة 73 مؤرخين) المشهرة برقم 10257 لسنة 2016، "عواد" كان من أوائل المنضمين إلى منظمة سيناء العربية، وهي منظمة فدائية عربية أنشأتها الحكومة المصرية إثر الاحتلال الإسرائيلي لسيناء بعد حرب يونيو 1967م. وكان الجيش المصري يشرف على تدريب أبنائها، ولد عام 1940 في مدينة السويس، نشأ على كره الإسرائيليين، لأنه تأكد أنهم السبب في قتل شقيقه الأكبر "حسن"، فكان أخاه ضمن الذين دهستهم دبابات الصهاينة ودفنتهم في رمال سيناء أثناء نكسة 1967.
حصل "عواد" ورفاقه من أعضاء منظمة سيناء العربية على تدريبات مكثفة، وكانت أول عملية فدائية له في 5 نوفمبر 1969 خلف خطوط العدو في سيناء، وأثناء تلك العملية نجح ورفاقه في أسر إسرائيلي وعادوا به إلى مقر القيادة المصرية في البر الغربي للقناة سباحة، وكانت العملية الأولى من نوعها ونجحوا في رفع راية مصر، وتوالت بعدها العمليات الفدائية المشابهة، حتى أصبح قائد مجموعته بعد استشهاد زميله مصطفى أبو هاشم.
وفي أغسطس 1970، خرج "عواد" على رأس تشكيل من مجموعتين إلى قلب سيناء، بهدف ضرب تجمعات الصهاينة في "رأس سدر" و"أبو زنيمة"، إلا أن المفاجأة كانت اكتشاف العدو للمجموعة الأولى التي توغلت إلى سيناء حتى نقطة "السادات"، أما المجموعة الثانية التي انطلق معها "عواد" كانت متأهبة لضرب آليات العدو، وفي الوقت الذي استعد فيه العدو لضرب المجموعة الأولى والقضاء على عناصرها نجحت المجموعة الثانية على رأسها "عواد" في القضاء على أفراد تلك القوة التي حاولت عرقلة عودة باقي التشكيل وكانت خسائر العدو في تلك العملية سيارتين مدرعتين ودبابة سنتريوم.
وروى "عواد" أن تلك العملية استغرقت حوالي 17 ساعة حقق خلالها رجال منظمة سيناء العربية دويًا إعلاميًا عالميًا كبيرًا، أشاد به الرئيس جمال عبد الناصر الذي حضر إلى السويس في تلك الفترة، لتهنئة أفراد المجموعة بنجاح العملية التي شارك فيها 12 من أبناء السويس ممن كانوا قد انطلقوا من البر الغربي إلى البر الشرقي للقناة، ونجحوا في زرع الألغام على طريق المركبات الإسرائيلية وقص الأسلاك الشائكة التي تواجدت حول ثكنات الصهاينة في سيناء.