سياسي لبناني لـ«الدستور»: ماكرون ساهم في تشكيل الحكومة الجديدة
أكد الكاتب اللبناني والمستشار في العلاقات الدولية "علي يحيى"، أن نجاح مصطفى أديب رئيس وزراء لبنان المكلف في تشيل الحكومة الجديدة، سيكون مرهونا باستمرار المتابعة والضغط الفرنسي على الطبقة السياسية في لبنان.
وقال "علي يحيى" في حوار خاص لـ"الدستور"، إن التحركات الفرنسية وزيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى لبنان جاءت بسبب أهمية البعد الجيوسياسي والجيوطاقوي بمنطقة شرق المتوسط والضغط على تركيا، وإلى نص الحوار:
* كيف ترون تأثيرة زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان للمرة الثانية منذ انفجار مرفأ بيروت على سرعة تشكيل الحكومة الجديدة؟
لا شك أن متابعة الرئيس الفرنسي، الشخصية للأوضاع في لبنان وليس عبر موفدين ومستشارين، ساهمت في الإسراع بتكليف مصطفى أديب بتشكيل الحكومة كما فرض على بعض أطياف الطبقة السياسية الإعراض عن المراوغة، والإسراع باختيار رئيس وزراء قبيل زيارة ماكرون بساعات، لتبقى معضلة تأليف الحكومة التي طلبت الرئاسة الفرنسية أن تكون ضمن مهلة الـ١٥ يوما، كما أن أنها تتجه لتكون حكومة تكنو- سياسية ومنسجمة مع مجلس النواب اللبناني.
وما رفع حظوظ تكليف أديب بالحكومة أنه صهر فرنسا، لكون زوجته حاملة للجنسية الفرنسية، ووالدها ممثل سابق لفرنسا لدى الأمم المتحدة.
* كيف ترون الاتفاق على مصطفى أديب لتشكيل الحكومة الجديدة؟ وهل سينجح في مهمته؟
نجاح المهمة الإنقاذية لرئيس الوزراء المكلف، سيكون مرهونا باستمرار المتابعة والضغط الفرنسي على رجالات الطبقة السياسية، عبر عدم الإفراج عن المساعدات الدولية قبل تسهيل وتنفيذ الإصلاحات خلال شهرين، وإلا ستفرض عقوبات بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الشخصيات المعرقلة للإصلاح.
* برأيك كيف يمكن إصلاح الأوضاع في لبنان وتخطي الأزمات الحالية؟
الخطوة الأولى للنهوض بلبنان مجددا يجب أن تمر بتطوير العقد السياسي لاتفاق الطائف الذي رعته السعودية عام 1989، أو إنشاء عقد سياسي اقتصادي مالي اجتماعي جديد، والذهاب باتجاه دولة مدنية، وهو ما جاء على لسان رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون قبل أيام، في إعلان غير مسبوق في تاريخ رؤساء الجمهورية.
وانطلاقا من الدولة المدنية، يمكن استعادة جزء من الأدوار المصرفية والسياحية والصناعية التي فقدها لبنان منذ ١٩٧٥، تاريخ بدء الحرب الأهلية، كما يتطلب تغيير مفهوم النخب التي آمنت باقتصاد قائم على القطاع المصرفي والتجارة والخدمات، نحو اقتصاد قائم على الإنتاجية، لا الريع، يكون رأس حربته الاقتصاد المعرفي والعلوم التكنولوجية، ورأسماله الطاقات البشرية اللبنانية، على نهج سنغافورة وفنلندا، التي لم تكن تمتلك قبل تحولها أكثر مما يملك لبنان حاليا، ويتناسب مع موقعه في الإقليم، وديموغرافيته، وانتشار مواطنيه عبر العالم، وانفتاحه التاريخي، وديناميكية قطاعه الخاص، والقدرة التسويقية لمجتمع رجال الأعمال اللبنانيين، وهي الأفضل في العالم.
كما أن استعادة الثقة بالقطاع المصرفي، بعد إعادة هيكلته، بالتوازي مع ضرورة تغيير حركة رأس المال وتوظيفاتها، عبر التخلي عن المنهج البونزي الذي تضخمت عبره المصارف لأربعة أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني، وتوجيه الأموال باتجاه القطاع السالف الذكر، والقطاعات الصناعية والزراعية عموما، لتعديل الميزان التجاري ببن الاستيراد والتصدير.
وهذا لا يكتمل الا بإعادة بناء مرفأ بيروت، عصب التجارة الداخلية اللبنانية، والاستفادة من موقعه بين الشرق والغرب وضمن طريق الحرير الصيني، دون القطع مع الغرب.
* هل سيستطيع رئيس الوزراء الجديد مصطفى أديب التحقيق بشكل جدي وإظهار كل الحقائق في انفجار بيروت؟
التحقيق بفاجعة بيروت من مسؤولية القضاء اللبناني، وتحديدا مجلس القضاء الأعلى الذي كون فكرة أولية عما حدث، وقيادة المحقق العدلي المعين أخيرا، فادي صوان، فقد وصل عدد الموقوفين حتى اللحظة إلى ٢٥ شخصا بعد توقيف أربعة مسئولين عسكريين يوم الثلاثاء، وبالتالي لن يكون هناك إمكانية للتهاون في الموضوع لكون القضية تجاوزت بعدها المحلي نحو العالمي، فهى تحت مجهر المتابعة الدولية، وبمشاركة محققين فرنسيين وأمريكيين.
* كيف ترى اهتمام فرنسا بلبنان وزيارة الرئيس ماكرون للمرة الثانية للبلاد منذ انفجار مرفأ بيروت مع زيارة مرتقبة ثالثة خلال أسابيع؟
تأتي الاندفاعة الفرنسية الحالية التي انطلق إيقاعها بعد بدء "انهيار النموذج" اللبناني، الذي اختتم بانفجار صدم العالم، ورعاة الكيان التاريخيين وبتزامن سيريالي مع الذكرى المئوية لإعلان الجنرال الفرنسي غورو لإنشاء "دولة لبنان الكبير"، في قصر الصنوبر.
وفي هذا السياق جاءت زيارة الرئيس الفرنسي، الإنقاذية للنموذج اللبناني وإلا، فخطر الانهيار سيتجاوز النظام، والدولة نحو الكيان، خاصة بعد إضعاف حراك ١٧ أكتوبر لهيبة الطبقة السياسية، وخلخلة انفجار بيروت وما سبقه من انهيار اقتصادي لهيبة الإدارات الرسمية.
وتمثل الإشراف الفرنسي الإنقاذي للبنان بداية عبر تنظيم مؤتمر باريس، وبدء تدفق المساعدات الإنسانية الفرنسية الشاملة، ثم النجاح الفرنسي في تليين الموقف الأميركي من لبنان، والتنسيق المتبادل بين الطرفين، واقتراح برنامج عمل محدد بأربعة بنود ماكرونية تتعلق بإصلاح القطاع المصرفي وتسهيل استقالة حاكم المصرف المركزي والإصرار على التدقيق الجنائي، وملف الكهرباء، ومناقصات الدولة، وقانون مكافحة الفساد.
وسيكون تنفيذ هذه الطلبات ضمان لتدفق المساعدات الإستراتيجية ممثلة بأموال مؤتمر سيدر(١١ مليار دولار)، وصندوق النقد الدولي، وغيره، استكمالا للمساعدات التكتيكية لمعالجة بعض الآثار الفورية للانفجار، والتي بدأت بمؤتمر باريس (٢٩٨ مليون دولار)، وتدفق الفرق الدولية والمساعدات العينية.
* ما هي أهم الأشياء التي ميزت زيارة ماكرون الثانية إلى بيروت؟
اللافت في زيارة ماكرون الثانية، لقائه بفيروز، وبصحبة الأديب أمين معلوف، واصطحابه شخصيات فرنسية من أصول لبنانية كرئيس ماكرون السابق خلال عمله المصرفي، سمير عساف، الذي عمل في مصرف HSBC البريطاني وإدارة المحافظ المالية، ومرشحه للإشراف على إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إضافة لرودولف سعادة، ابن جاك سعادة صاحب شركة ضخمة عاملة في الشحن البحري وإدارة المرافئ، ومرشحة بدورها الشركة لإعادة إعمار المرفأ، وإدارة محطة الحاويات فيه.
* أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية عن إرسال فرقة عسكرية فرنسية جديدة إلى بيروت مكونة من ٧٥٠ جنديا.. كيف ترون هذه الخطوة وما أهدافها؟
لا شك أن للبعد الجيوسياسي والجيوطاقوي دور محفز في الحركة اللبنانية، وفي الأساطيل التي تتدفق إلى شرق المتوسط ومنها القوات الفرنسية ضمن صراع تثبيت الحضور الأوروبي، والبحر في حوض المتوسط الذي لطالما اعتبرته أوروبا بحيرة أوروبية منذ معركة ليبانت، مقابل "التمرد التركي" بعد اقتراب انتهاء مفاعيل معاهدة سيفر، والتوترات اليونانية التركية حول تفسير الجرف القاري والمناطق الاقتصادية البحرية في المتوسط وبحر إيجه وانطلاقا من هذا البعد، يمكن أن نفهم سبب تناغم التنسيق المصري الفرنسي في بيروت (كامتداد للتنسيق المصري الفرنسي في ليبيا في والمتوسط) في جولة السفير المصري المكوكية على القيادات اللبنانية قبيل اختيار الرئيس المكلف مصطفى أديب.
وإضافة للبعد التركي، يأتي الدخول الفرنسي الأميركي أيضا لإبعاد الصين عن لبنان من بوابة مرفأ بيروت، ناهيكم عن أن استعادة فرنسا ديناميكيتها في لبنان، والتواصل مع كل الأطراف اللبنانية بما فيها حزب الله ما يمكن أن يمهد لتهدئة أمريكية إيرانية.