أمريكا وإيران وفصل جديد من العقوبات بمشروع قرار فى مجلس الأمن
تشهد العلاقات الأمريكية الإيرانية في الوقت الراهن فصلًا جديدًا من فصول التوتر المتصاعد، على خلفية تقديم الولايات المتحدة مشروع قرار إلى أعضاء مجلس الأمن يتضمن أوسع تصور أمريكي حتى الآن لتجديد حظر الأسلحة المفروض دوليًا على إيران، وفرض سلسلة عقوبات جديدة على المؤسسة الحاكمة في إيران، والكيانات والأفراد المرتبطين به بموجب المادة 41 من الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة.
ومما يزيد من حدة الضغوط على إيران ومؤسساتها، ويجعل أمريكا متمسكة بمشروعها في توسيع العقوبات المفروضة على إيران، القلق الذي أبدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نتيجة امتناع إيران لأكثر من أربعة أشهر، عن السماح لمفتشيها بدخول موقعين يشتبه بوجود أنشطة نووية غير معلنة فيهما، إضافة إلى عدم حصولها على رد إيراني حول تساؤلات مطروحة منذ عام.
يتزامن كل ذلك مع تردي الأوضاع الاقتصادية في طهران، بسبب موجة الغلاء وارتفاع الأسعار، والتضخم، علاوة على تصاعد المخاوف من موجة كورونا المنتشرة في أنحاء إيران، الأمر الذي ينذر باندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات ضد سياسات الدولة.
مشروع حظر الأسلحة
تعمدت (واشنطن) إعداد صيغة المشروع ليصدر بموجب المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على أن "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته"، ومنها ما يدعو الأعضاء إلى وقف الصلات الاقتصادية وأنواع المواصلات والشحن، ويصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية.
وتضمنت ديباجة المشروع مجموعة من التنديدات الموجهة لإيران، بسبب الهجوم الذي شنته إيران على السعودية في سبتمبر 2019، والذي شكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، والهجمات التي وقعت في ديسمبر 2019 ضد قاعدة عسكرية عراقية في كركوك والسفارة الأمريكية في بغداد، وعمليات نقل الأسلحة من إيران إلى الميليشيات والجماعات المسلحة في المنطقة؛ مما يهدد بزعزعة الاستقرار الإقليمي بل والعالمي.
وربطت صيغة المشروع للمرة الأولى وبصورة واضحة بين الانتهاكات الإيرانية للشرعية الدولية والقرارين، 2140 الخاص باليمن و1701 الخاص بلبنان، بسبب دعمها وتبنيها "جماعة الحوثي" و"حزب الله" اللبناني.
ولعل من أبرز بنود مشروع قانون حظر الأسلحة ما يلي:
أولًا: حظر جميع الأسلحة على إيران، إذ يدعو القرار إلى الامتناع عن الأعمال الاستفزازية، وتمتنع كل الدول الأعضاء إمداد إيران أو بيعها أو النقل المباشر أو غير المباشر إليها، عبر أراضيها أو بواسطة رعاياها، أو استخدام السفن أو الطائرات التي ترفع علمها، أكان المنشأ في أراضيها أو لم يكن، أسلحة وما يتصل بها من معدات إلا بموافقة اللجنة المنشأة في القرار 2231.
ثانيًا: وارتباطًا بما سبق، لا يجوز لإيران أن تورد أو تبيع أو تنقل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عبر أراضيها أو رعاياها أو باستخدام السفن أو الطائرات التي ترفع علمها، أي أسلحة أو أعتدة ذات صلة، على أن تحظر كل الدول الأعضاء شراء هذه المواد من إيران أو من رعاياها، أو استخدام السفن أو الطائرات التي ترفع علمها، أكان المنشأ في أراضي إيران أو لم يكن.
ثالثًا: إلقاء المسئولية على عاتق دول العالم، حيث ينص مشروع القرار على أن تقوم كل الدول الأعضاء بتفتيش كل البضائع داخل أراضيها، في مطاراتها وموانئها ومناطق التجارة الحرة، من وإلى إيران، بما يتفق مع القانون الدولي، أو أي عمليات ترتبط بإيران أو رعاياها وأفراد وكيانات مرتبطة بها، أو أفراد وكيانات مصنفة (لدى الأمم المتحدة)، أو يجري وسائل إيران بحرًا وجوًا، أو إذا كان لدى الدولة المعنية أسباب معقولة للاعتقاد بأن الشحنة تحتوي على مواد محظورة وفق القرار2231.
رابعًا: يسمح مشروع القرار الأمريكي بأن تقوم كل الدول الأعضاء بالاستيلاء على أي سفينة في موانئها وتفتيشها وتجميدها (حجزها) ومصادرتها والتخلص منها، بطريقة تتفق مع السلطات القانونية الوطنية، إذا كانت لدى الدولة العضو المعنية أسباب معقولة للاعتقاد بأن السفينة ضالعة في نشاطات محظورة بموجب هذا القرار، ما لم تقرر اللجنة، على أساس كل حالة على حدة وبناءً على طلب من الدولة المحجوزة، أو دولة العلم، أو الدولة ذات الولاية القضائية على مالك السفينة، أو أي دولة أخرى ذات صلة، أنه يجوز تحرير السفينة من الحجز لأن التخلص منها لن يعزز أهداف هذا القرار.
خامسًا: يقرر المشروع أن ينشئ، وفقًا للمادة 28 من نظامه الداخلي المؤقت، لجنة تابعة لمجلس الأمن تتألف من كل أعضاء المجلس، للقيام بمهمات مراقبة تنفيذ الإجراءات المفروضة في هذا القرار، وتصنيف هؤلاء الأفراد والكيانات الخاضعين للعقوبات والنظر والبت في طلبات الإعفاء ووضع ما يلزم من مبادئ توجيهية لتيسير تنفيذ التدابير المفروضة في هذا القرار.
سادسًا: تقع على عاتق الأمين العام للأمم المتحدة مسئولية اتخاذ الترتيبات المالية اللازمة لتمكين اللجنة من الاضطلاع بمهماتها، على أن ينشئ، لفترة أولية مدتها 12 شهرًا من تاريخ اتخاذ هذا القرار، بالتشاور مع اللجنة، فريقًا يصل إلى ثمانية خبراء، تحت إدارة اللجنة، وتزويد المجلس بتقريرين في موعد لا يتجاوز 6 أشهر و12 شهرًا على التوالي، من اتخاذ هذا القرار، وتحديثات دورية بينهما.
القرار 2231
يُعد هذا القرار بمثابة خريطة طريق يتعين على أطرافه الست وبخاصة إيران احترامه بدقة متناهية، باعتباره يتضمن نقاطًا إجرائية وتنفيذية لشبكة معقدة من الالتزامات المرتبطة بجداول زمنية طويلة نسبيًا، إضافة إلى تعدد وتنوع البيئات المتصلة بها لجهة الرقابة وآلياتها، ونوعية الخطوات التي ستتبع في كل مرحلة من مراحله.
علاوة على ذلك، فالقرار لا يعتبر سابقة دولية لجهة آليات التنفيذ المعقدة، بقدر ما هو ربط محكم لحالات يمكن أن تظهر مستقبلًا، ومرتبطة بتعهدات دولية وبخاصة من روسيا والصين لاتخاذ ما يلزم في حال الإخلال بآليات التنفيذ.
فقد حددت فترة القرار بعشرة أعوام، وترتبط فترة التخفيض بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا ما تضمن أن البرنامج النووي الإيراني سلمي بالكامل. واللافت هو في تحديد الفترات الزمنية المتتالية والمرتبطة بقيود على أسلحة ذات طابع خاص كالصواريخ البالستية.
ونص القرار على إطار قانوني معقد للوساطة حين الاشتباه بأي انتهاك، عبر لجنة متابعة مشتركة، تتكون من مجموعة الست وإيران، تقوم بمراجعة نظام العقوبات الصادر سابقا عن مجلس الأمن، للتثبت من الالتزام الإيراني وإعادة فرضه في حال تم التأكد من انتهاكه جديا.
وقد رُبط القرار بشكل مباشر مع إعلان 14 يوليو 2015 في فيينا، وأعطى للوكالة الدولية للطاقة الذرية دورًا محوريًا ومركزيًا لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة للتثبت وللرقابة على برنامج إيران النووي، وألزم مدير الوكالة بتقديم تقارير منتظمة ومفصلة إلى حكام الوكالة الذرية ومجلس الأمن حول تنفيذ القرار.
وتأسيسًا على ذلك، يهيب مشروع القرار الأمريكي المقدم إلى أعضاء مجلس الأمن، بكل دول العالم، أن تنفذ التدابير الواردة في هذا القرار، وأن تقدم بانتظام تقارير إلى اللجنة عن الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ التدابير المفروضة، ويطلب المشروع من اللجنة المكلفة وفقًا للقرار 2231، أن تقدم تقريرًا شفويًا من خلال رئيسها، على أساس ربع سنوي كل عام إلى مجلس الأمن، لمناقشة مدى الامتثال لهذا القرار، مع النظر في اتخاذ إجراءات إضافية تتناسب وخطورة الحالة من أجل صون السلام والأمن الدوليين.
ومما يزيد من حجية أمريكا في فرض عقوبات وحظر الأسلحة على إيران، ما أبدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية من قلق بسبب امتناع إيران لأكثر من 4 أشهر، عن السماح لمفتشيها بدخول موقعين يشتبه بوجود أنشطة نووية غير معلنة فيهما، إضافة إلى عدم حصولها على رد إيراني حول تساؤلات مطروحة منذ عام.
وأبلغ المدير العام للوكالة رافاييل جروسي، مجلس حكام الوكالة الدولية في (فيينا) بأن (طهران) على مدار أكثر من 4 أشهر "منعتنا من الدخول إلى موقعين.. وعلى مدار نحو عام، لم تشارك في مناقشات بناءة لتوضيح تساؤلات طرحناها بخصوص إمكانية وجود مواد ونشاطات نووية غير معلنة".
وقال جروسي: "أدعو إيران للتعاون الفوري والكامل مع الوكالة، بما في ذلك توفير القدرة على دخولنا الفوري إلى الموقعين المحددين من قبلنا"، منوها بأن الوكالة "لا تزال مستمرة في التحقق من عدم تحويل المواد النووية التي أعلنتها إيران تبعًا لاتفاقية الضمانات. ولا تزال جهود التقييم المتعلقة بغياب مواد ونشاطات نووية غير معلنة من جانب إيران مستمرة".
ويثير هذا الرفض المتواصل من جانب إيران، السماح بعمليات تفتيش للموقعين الإيرانيين، توترًا ليس فقط في علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإنما في علاقاتها مع الولايات المتحدة وعدد من القوى الدولية، وإذا استمرت (طهران) في رفض عمليات التفتيش أو إذا تبين أنها شغلت برنامجًا نوويًا غير معلن في هذه المواقع الحساسة، فستوجه إليها تهمة انتهاك اتفاقها مع وكالة الطاقة، وقد تتم إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي.