«تقدير الموقف».. كيف نجح السيسي في الصلح بين حفتر وصالح؟
تُجري مصر منذ إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس السبت، المبادرة السياسية لحل الأزمة الليبية المعروفة بـ "إعلان القاهرة"، اتصالات ومشاورات مكثفة مع دول أوروبية للضغط على تركيا من أجل وقف نقل الإرهابيين إلى ليبيا، وتوضيح تأثيرات ذلك على مصر والأمن القومي المصري والداخل الليبي والمنطقة بأكملها.
المبادرة تم طرحها في حضور زعيما المنطقة الشرقية الليبية، اللذان قيل مؤخرًا إن بينهما خلافًا حول دور كل منها بعد تحرير البلاد من المليشيات والغزاة الأتراك، وذلك عقب إعلان مجلس النواب برئاسة المستشار عقيلة صالح ومقره طبرق، في 25 مايو الماضي، رفضه إعلان قائد الجيش المشير خليفة حفتر تنصيب نفسه حاكما على ليبيا، وإسقاط الاتفاق السياسي لعام 2015.
نجاح مصر في جمع حفتر وصالح والتوفيق بينهما لقى ترحيب كبير في الأوساط السياسية، وكذا في الأوساط الشعبية في مصر وليبيا، خصوصًا أن الخطوة جاء في وقت تعقد فيه المشهد الليبي وأصبحت الأجواء ضبابية، واستغلها الإعلام المناهض جيدًا في توسيع الفجوة بينهما، وسط هزائم منيت بها قوات الجيش الوطني، في الفترة الأخيرة، على أيدي الحشد المليشياوي المدعوم بغطاء تركي مكنه مؤخرا من الاستحواذ على مدينة ترهونة الاستراتيجية، الواقعة على بعد 90 كلم جنوب شرق طرابلس، ومن قبلها الاستحواذ على قاعدة الوطية الجوية.
إذا كيف استطاع الرئيس السيسي في إغلاق الهوة بين زعيما المنطقة الشرقية والخروج بمبادرة قوية لاقت ترحيب عربي ودولي وصداها عمت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا الصدد يجيب خبراء ليبيون في تصريحات خاصة للدستور:
-«ثقة في بعد نظره وتقديره للموقف بأن المخطط تقسيم البلاد»
قال الباحث السياسي الليبي عيسى رشوان، إن مصر بالنسبة لليبيين هى الأخت الكبرى التي نحبها ونحترمها ونقدرها، مشيرًا إلى أن الزخم التاريخي والفكري والحضاري لمصر لدينا يمثل في رئيس الدولة عبدالفتاح السيسي، الذي لا نشك في حكمته وبعد نظره وتقديره وتقييمه لأحداث العالم عامة والشرق الأوسط خاصة.
وأضاف رشوان في تصريح خاص لـ "الدستور"، أن مصر قطب حضاري من أقطاب الأرض ومهد الحضارات في المنطقة، هذا الزخم له تاثيره في جميع العقول المدركة لتحركات قطب السياسة الشرق اوسطي، مردفا "أخ اكبر تحدث فعلى الاخوة الاستماع لصوت الحكمة والعقل".
وتابع، من هذا المنطلق تم إصلاح العلاقة بين حفتر وصالح من أجل هدف أعظم وأكبر من الخلافات الداخلية، خصوصًا وأن مبادرة القاهرة كانت واضحة جدا في أول نقطة من نقاطها الاربعة عشر؛ حيث أكدت على وحدة وسلامة أراضي الدولة الليبية، مما يؤكد لنا أن المبادرة جاءت ضد مشروع أو مقترح تقسيم ليبيا كما هو دارج في الاوساط السياسية وكواليس السياسة.
ورأى الباحث الليبي، أن ما سيرفضه الأتراك وحلفائهم في ليبيا في إشارة الوفاق وقادة الإخوان الإرهابية، هو النقطة الثالثة من المبادرة، قائلا "فمن وجهة نظري أنهم لن يفككو المليشيات المسلحة ولن يسلموا اسلحتهم ولن يعترفوا بالجيش الليبي"، مستدلًا على وجهة نظره، بتحركهم في نفس التوقيت على الأرض مخالفين شروط هذه المبادرة؛ حيث يعتبرون انفسهم منتصرين وأن الجيش الليبي خسر أمامهم، إضافة إلى بيانات الرفض التي توالت لهذه المبادرة من طرابلس واسطنبول ومصراته ومن تنظيم الإخوان الليبي المصنف إرهابيا من مجلس النواب.
-«إدراك السيسي للتركيبة الاجتماعية جيدًا»
أما الأكاديمي الليبي رجب الورفلي، رأى أن نجاح مصر في التقريب بين حفتر وصالح بعد خلاف دام لأسابيع، يرجع في المقام الأول إلى إدراك الرئيس السيسي جيدًا للتركيبة الاجتماعية الليبية، لاسيما بالمنطقة الشرقية للبلاد، التي تقع ضمن دائرة الأمن القومي والوطني المصري، مشيرًا إلى أن التاريخ شاهد وكذلك ليبيا إبان حكم القذافي أن غرب مصر يعتبر ضمن المجال الحيوي للأمن الوطنى والقومي، من الناحية الاستراتيجية في حالة الحرب والسلم.
وأضاف الورفلي في حديثه مع "الدستور"، ويأتي في المقام الثاني إدراك القيادة المصرية أهمية توحيد المنطقة الشرقية في الوقت الراهن وسط المعطيات على الأرض التي تنذر بأن التقسيم قادم لامحالة، موضحًا أن الخلاف بين المؤسسة العسكرية الليبية والمؤسسة التشريعية، وتحرك مصر إلى سد فجوة الخلاف هذا، كان سريعا ويحسب لمصر؛ حيث تراجع حفتر عن مقترحات له بإبعاد مجلس النواب عن أى مرحلة مقبلة وقدم المستشار عقيلة مبادرة لحل الأزمة وتبنتها مصر بقوة بعد التشاور مع المجتمع الدولى، ومن ثم جمعت عقيلة وحفتر من أجل توحيد الجبهة الشرقية، خصوصا وأن المستشار عقيلة صالح هو من اعترف بثورة الكرامة وقدم لها الدعم وأعطي الشرعية للجيش ونصب حفتر قائد عام للجيش الليبي.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي من قصر الاتحادية، بدأ كلمته أمس خلال إعلانه عن مبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية، بالتأكيد على أن القائدين الليبين (صالح وحفتر)، قد برهنا خلال اللقاءات التي جمعتهما خلال الأيام الماضية في القاهرة على رغبتهما الاكيدة في انفاذ إرادة الشعب الليبى المتمثلة في أن يعرف الاستقرار طريقه مجددا الى ليبيا وفى أن تكون سيادة ليبيا ووحدتها واستقلالها مصونة لا يتم الافتات عليها كائنا من كان.
وأضاف الرئيس، فقد اثبتا أنهما يضعان نصب اعينهما مصلحة ليبيا وشعبها، تلك المصلحة الليبية الوطنية تاتى قبل وفوق كل اعتبار، لقد تحليا بالمسؤولية والحس الوطنى حتى امكنا بعون الله وتوفيقه التوصل الى مبادرة سياسية مشتركة وشاملة لإنهاء الصراع في ليبيا".
إلى هذا، ونص إعلان القاهرة لحل الأزمة الليبية الذي إرتكز على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها واحترام جميع الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن، إضافة إلى ارتكازها على مخرجات مؤتمر برلين والتي نتج عنها حل سياسي شامل يتضمن المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية.