سارة خليف تكتب: كورونا والمصير المحتوم
عبر آلاف السنين؛ واجهت البشرية كوارث عديدة، كانت ناتجة عن أمراض صُنّفت حينها بالمدمرة، ولكن البشرية استطاعت أن تسحقها سحقًا، وتضعها في حجمها الطبيعي، ومِن أمثلة تلك الكوارث (الطاعون والكوليرا والجدري) في السابق، أما في الحاضر؛ ففي بداية القرن الحالي عرفنا وباء سارس وأنفلونزا الطيور والخنازير، ومؤخرًا إيبولا واليوم كورونا، لذا فأنا على ثقة تامة؛ بأن المجتمع الإنساني سوف يضع فيروس كورونا القاتل اليوم في حيزه الطبيعي في القريب العاجل.
يزداد انتشار فيروس الكورونا كالنار فى الهشيم، منذ أن ضرب الصين مُنذ أسابيع، مُصوباً سهامه إلى دول كثيرة, لم يُفرق فى ذلك بين دول العالم المتقدم ومثيلاتها من العالم النامى، مما أدى إلى التسبب فى حالات الذعر والهلع عالمياً، وعلى الجانب الآخر فقد رفع الجميع مِن مستوى التأهب والحذر للوقائية، كمحاولة لتحجيم الفيروس الذى أرعب الجميع.
أما على المستوى المحلى؛ فقد كان فريق من المصريين فى استقبال الفيروس بأسلوب عجيب، فقد استقبلوه بالنكات والسخرية والاستهزاء، وللأسف لم يقتصر توجيه ذلك الأسلوب إلى الفيروس فقط، بل شمل وللأسف النيل من قدرات الدولة المصرية فى مواجهته، و وفريق آخر منهم أصابه الذعر والهلع من تلقى معلومات مغلوطة، عبر مواقع التواصل الإجتماعى، لا سيما تجمعات أولياء الأمور أو ما يُعرف بـ جروبات الماميز.
ولا أكثر بياناً وجلاء من وقوف الدولة المصرية شامخة متبعة معايير منظمة الصحة العالمية فى مواجهة الفيروس اللعين، كرد وكشف ومحو زيف الفريق الساخر المستهزئ، سواء كان هذا الوقوف متمثلاً فى صورة دوريات وزارة الصحة، التى تتابع جميع المدارس يومياً، أو غيرها من الجهات، وكذلك طرح موقع إليكتروني للتوعية ورصد الحالات.
دولة بحجم مصر اقتصادياً وسياحياً، وبكثافتها السُكانية وبمكانتها الجيوسياسية؛ من الطبيعى أن يكون قد ظهرت بها حالات مُصابة بالفيروس، شأنها فى ذلك ككثير من دول العالم، نظراً لسهولة حركة التنقل دولياً، ما يُسهل الأمر نحو انتشار المرض. فإذا نظرنا إلى الموقع الذي أطلقته وزارة الصحة؛ ستجد أن أحدث الإحصائيات الصادرة عن الأعداد المصابة، وعن أعداد الوفيات لنجد أن أعداد المعافين تفوق عشرات الآلاف، عن عدد الوفيات رغم قسوته، فإنه لا ينمو بالنسبة المرعبة، كما كنا نتوقع فى بداية الأزمة، فقد رصده الموقع وصول عدد المصابين بالفيروس إلى مائة و خمسة آلاف مصاب على مستوى 95 دولة، منهم وللأسف ثلاثة آلاف وخمسمائة حالة وفاة، ولكن المُبَشر والأمل الحقيقى يكمن فى ازدياد عدد المتعافين، الذين بلغوا طبقاً للموقع ما يزيد على ثمانية وخمسين ألف متعاف.
الخطير فى هذا الفيروس سرعة انتشاره، على الرغم من أن الإنفلونزا قد تكون أخطر بآلاف المرات، ولكن لم تستطع فئات مجتمعية معينة، الكف عن توجيه أسهم النقد، بل اتهمت الدولة بالتكتيم والتعتيم على انتشار الفيروس، ما تسبب فى تصدير حالات الخوف للأخرين، معتمدين فى ذلك على معلومات دون مصدر، ونشرها على الجروبات، خاصة جروبات المدارس التى تضم أمهات تلاميذ المدارس، ولا نعلم ما هو مصدر أول تسجيل صوتي، عن أول أم تجزم بأن لدى ابنها الكورونا.
هل كان عفوياً أم عن عمد! لا يهم. ما يهم هو خطورة انتشار الشائعات، وبالفعل هذا ما حدث، فسرعة انتشار ذلك التسجيل الصوتى؛ كانت أخطر من سرعة انتشار فيروس الكورونا، خاصة إذا ما علمنا أن جزءًا كبيرًا من حالات الوفاة كان ناتجاً عن الذعر من الوباء (panic pandemic) و هذا ما نجيده وبدلاً من العمل على كيفية زيادة التوعية ونشرها، ومحاولة اتباع الطرق الوقائية، مساندة مِنّا لمجهودات وزارة الصحة التى بدات بالفعل بإيجاد آلية لعمل التحاليل التى تكشف عن الفيروس، نجد أن الأغلبية سارت فى قطيع، يقوده الفريق الساخر المستهزئ، وباتت تشكك فى قدرات وزارة الصحة، التى هى على قدم وساق لمجابهة الوباء، بادئة تلك الأغلبية فى نشر السلبيات، الناتجة عن معلومات مغلوطة أتت من مصادر مجهولة، متناسية هى ذاتها الإيجابيات الواضحة عياناً بياناً، والتى تقول إن 80 % من المصابين يمرون بأعراض خفيفة جداً ولا تحتاج لعلاج، وأن فقط بعض الحالات الضعيفة من حيث العدد، هى التى تحدث لها مضاعفات بسبب الفيروس، وذلك طبقاً لتصريح وزارة الصحة.
ولذا فسوف يلقى الفيروس مصيره المحتوم، كما حدث مع ما مر على البشرية، فلتحيا مصر وشعبها، ولتحيا كل الشعوب المُحبة للحياة.
باحثة فى قضايا المرأه و الطفل