الشباب.. ولقاء الرئيس
الشارع المصرى يموج بملايين الشباب الذين يرزحون تحت نار البطالة ؛ وبعيدًا عنهم فى انتظار الجنة الموعودة المسماة بالوظيفة الحكومية التى لاتأتى أبدًا، وإن جاءت فإنها فى وظائف الخدمات المعاونة التى لاتكفى عوائدها ثمنًا لقوت يومهم ومتطلباتهم الحياتية، والإحصائيات التى لانستطيع التغافل عنها تقول إن طوابير الشباب العاطل تلامس رقم 12 مليون شاب يلعبون مع الفراغ فى الشارع المصرى ـ ومنهم الغالبية التى تحمل الشهادات الجامعية وما فوقها ـ ينتظرون إيجاد فرص عمل تتوافق مع مؤهلاتهم أو خبراتهم المكتسبة إذا كانوا من غير حملة الشهادات، سواء فى صناعة أو تجارة أو ماشابه من سبُل اكتساب الرزق فى دروب الحياة ؛ وينتظرون من الحكومات المتعاقبة إيجاد الحلول الناجعة لمشاكلهم، ولم تظهر بارقة أمل تمنحهم التواصل مع الحياة بشكل إيجابى، فكان ماكان مما نراه من انسياقهم ـ بحكم الفراغ ـ إلى تسليم أقدارهم لمن يمنحهم «القرش الأبيض الذى ينفع فى الأيام السوداء»؛ بصرف النظر عمَّا يقدمونه من خدمات للوطن أو فى الغالب يكون «صاحب القرش صياد» بحسب المثل الشعبى المصرى العبقرى، وصاحب القرش هذا ـ بطبيعة الحال ـ يسخرهم فى كل ماهو ضد الوطن والمواطن والبشر جميعًا؛ طالما يعود هذا بالنفع عليه لتحقيق مصالحه، وقد لمسنا هذا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث اقتنصتهم يد العصابات الإرهابية؛ فكانوا السهم والرمح الذى رشق وأدمَى كل قلوب الأمانى الطيبة للوطن.
والحق أقول.. إنه قد ظهرت بعض المشروعات التى تخدم شباب الخريجين فى تسعينيات القرن الماضى، وكان «بنك ناصر» صاحب المبادرة فى إطلاق مشروع سيارات الشباب التى تبيع منتجات الخضر والفاكهة فى مختلف المناطق، ولكنها كانت كالقنابل الموقوتة فى الشوارع، حيث لم تمنحهم إدارة المرور التصاريح الواجبة فى حق التواجد فى الشوارع والنواصى، فكانت المطاردات المستمرة والمصادرات لتلك السيارات، ففشل المشروع وذهب الشباب غير القادرين على دفع الأقساط إلى السجون بأحكام قضائية واجبة النفاذ بحسب شريعة البنوك التى «تقطم وسط» من يقترب من الاقتراض بشروطها المجحفة التى لاتراعى طبيعة الشارع المصرى ومشاكله، وضاع الحلم أدراج الرياح!
وفى مطلع العام الجديد، جاءت الانفراجة التى تفتح طاقة الأمل للشباب؛ باهتمام القيادة الوطنية بهذه الشريحة الكبيرة من قطاعات البشر فى الواقع المصرى، ليجىء إعلان الرئيس بالعزم على المواجهة الجادة التى تعبر فوق الوعود والكلمات الرنانة خلال اللقاء الذى تم فى احتفالية يوم الشباب المصرى ليقول: «كلفت البنك المركزى لتنفيذ برنامج شامل، لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتعزيز فرص تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للشباب، كى تصل إلى نسبة لا تقل عن 20%، ويتولى القطاع المصرفى، ضخ 200 مليار جنيه، لتوفير فرصة لـ 350 ألف شركة، أن تقدم فرص عمل لنحو 4 ملايين شخص». وتابع الرئيس: «قررنا تخفيف الأعباء على الشباب، وألا يزيد سعر الفائدة للمشروعات الصغيرة عن 5% سنوياً»، واختتم كلمته مازحًا: «يعنى أنتم مالكمش عندى حجَّـة تانى بعد كدة! وصحيح أن ماأتحدث فيه كان أحد المعوقات الحقيقية أمام الشباب لأن فائدة القروض كانت دائمًا عالية وأتمنى أن تنخفض عن الـ 5%»، وبالطبع أثار هذا التصريح عاصفة من التصفيق الحاد من قطاعات الشباب الحاضرة.
ومع كل الاحترام والتقدير لهذه المبادرة العملاقة التى تمهد الطريق للمستقبل لقطاعات كبيرة من الشباب المصرى، فإننى أهيب بالمسئولين سرعة تشكيل فرق عمل من جميع التخصصات، تقوم بتذليل العقبات التى قد تطرأ أو تواجه انطلاق هذه المسيرة، حبذا لو تم تكوين «مجموعات شبابية» من خمسة أو سبعة أفراد، كل مجموعة تحمل الخبرات المختلفة فى تخصصها، وتكون تحت إشراف مالى وإدارى من متخصص داخل كل مجموعة، حتى لايذوب رأس المال بين المواد والمصروفات والرواتب؛ ويتم مراجعتها دوريًا من قبل البنوك المانحة والوزارات التى يتبعها المشروع، والمهم أن يتم إعداد دراسات ميدانية بحسب التوزيع الجغرافى لهذه المشروعات، لضمان عدم المنافسة غير المشروعة ـ فى بعض الأحيان ـ بما لايعود بالنفع على المنتفعين من هذه المنظومة الخدمية؛ وأحسب مطلبى هذا ضمن الأولويات التى يجب مراعاتها عند إطلاق المبادرة عمليًا. وغرضى هنا أن أشير إلى ماحدث بالنسبة لتوزيع خمسة أفدنة من الأراضى على الفلاحين فى بداية ثورة يوليو، فذابت الأرض وتم تفتيتها بفعل عوامل الإرث الشرعى.
نعم.. نريد الاستفادة القصوى من كل تجاربنا الماضية عبر العقود المنصرمة، وإتمام إحكام الحصار حول كل مشاكل المجتمع المصرى المتطلع إلى تخطى كل العقبات؛ لنلحق بركب الدول التى علمناها وسبقتنا لظروف خارجة عن إرادتنا، فالتحديات التى تجابهنا كثيرة، ولكن بالإخلاص والعمل الدؤوب تتحقق المعجزات.