اعتصام "أمناء الشرطة" كشف ازدواجية "الداخلية": تطبيق القانون بات "خيار وفاقوس"
في خرق صارخ لقانون التظاهر، والضرب بدولة القانون عرض الحائط، اتبعت الدولة أسلوب الكيل بمكيالين في التعامل مع اعتصام أمناء الشرطة بمحافظة الشرقية واقتحامهم مديرية أمن الشرقية، دون أن تحرك ساكنًا.
القصة بدأت بتنظيم المئات من أفراد وأمناء الشرطة، 22 أغسطس، وقفة احتجاجية أمام مبنى مديرية أمن الشرقية للمطالبة بمستحقات لهم، وتطور فيما بعد الاحتجاج إلى اقتحام مديرية أمن الشرقية لأحد الماضي، بنية الاعتصام إلى أن يتم الاستجابة لمطالبهم.
ولم وزارة الداخلية مفرًا، سوى التفاوض معهم والوصول إلي منطقة وسط لفض الاعتصام، ورغم أن الاعتصام كان مسلحا إلا أن الدولة غيبت قانون التظاهر، الذي طبقته بحسم على الشباب الذي تظاهر اعتراضا على القانون، والقابع حاليا خلف أسوار السجون.
وفي محاولة لتبرير عدم تطبيق قانون التظاهر علي أمناء الشرطة، قال اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية للعلاقات والإعلام، إن الاعتصام لم يكن مظاهرة، وإنما كان "وقفة احتجاجية" لا تندرج تحت مسمى مظاهرة ولا ينطبق عليها قانون التظاهر، لأن لهم بعض المطالب سيتم دراستها على أكمل وجه وبأسرع وقت.
خبراء الشأن السياسي والقانوني موقف الدولة، مطالبين رئيس الجمهورية بالإفراج الفوري عن شباب الثورة، والذين تم القبض عليهم بدعوى خرق قانون التظاهر.
طالب جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، رئيس الجمهورية عزل وزير الداخلية والإفراج عن كل المسجونين بسبب قانون التظاهر وتعويضهم، أو إعلانه صراحة نهاية سيادة القانون، بعد تجاهل خرق أمناء الشرطة للقانون والكيل بمكيالين.
وأضاف أنه "بعد ثلاثة أيام من تظاهرات واحتجاجات مئات من أمناء الشرطة واعتصامهم بمديرية أمن الشرقية، لم يطبق عليهم قانون التظاهر أسوة بمئات من الشباب والمطالبين بالديمقراطية.
وأكد أن عدم تطبيق قانون التظاهر على أمناء الشرقية، خرق واضح وصريح للقانون، الذي يقبع المئات في السجون بسبب اتهامهم بخرقه، مثل القبض على تظاهرة مجلس الشورى في نوفمبر 2013 التي شارك بها عشرات الشباب والفتيات احتجاجا على مادة المحاكمات العسكرية في الدستور، وتم فيها الاعتداء على الفتيات وسحلهن والحكم عليهم بسنوات سجن.
وتابع: كما تم القبض علي المحتجين ضد قانون التظاهر أمام قصر الاتحادية في يونيو 2014 التي ألقي القبض فيها على العشرات بينهم الحقوقية يارا سلام، وسناء سيف، والحكم بسجنهم سنتين، فضلا عن عشرات القضايا غيرها التي طبق فيها قانون التظاهر بشكل متعسف واستخدام مفرط للقوة.
وأوضح أن تطبيق المعايير المزدوجة في تطبيق قانون التظاهر يمثل كارثة وفضيحة مدوية ونفيا لكل مزاعم دولة سيادة القانون، ولا يمكن إصلاحه إلا بالإفراج عن سجناء قانون التظاهر وإقالة وزير الداخلية الذي يطبقه بشكل متعسف وجائر ضد المعارضين والمنتقدين، ويطأه بالأقدام حين يخرقه بعض العاملين على تطبيقه.
واستنكر محمد نور فرحات، الفقيه القانوني، تصريح اللواء أبو بكر عبد الكريم، المتحدث باسم وزارة الداخلية، والذي قال فيه إن "ما قام به أمناء الشرطة لا ينطبق عليه قانون التظاهر، لأنها وقفة احتجاجية".
وقال فرحات، إن من يريد التظاهر عليه أن يرفع لافتة مكتوب عليها هذه وقفة احتجاجية حتى يفلت من العقاب، واعتبر تبرير الداخلية عدم تطبيق قانون التظاهر على أمناء الشرطة تفسير أمنى مبتكر لمعنى التظاهر.
وأكد الفقيه القانوني أن تطبيق القوانين في مصر خيار وفاقوس، متسائلا "لماذا لم يطبق على أفراد وأمناء الشرطة الذين اعتصموا واقتحموا مديرية أمن الشرقية أولًا قانون التظاهر، وثانيًا قانون اختصاص القضاء العسكري لمن اعتدى على منشأة عامة، وثالثًا قانون منع موظف عام من أداء وظيفته، عندما منعوا لواءات الداخلية من دخول المديرية ؟".
ووصف أحمد دراج، عضو الجمعية الوطنية للتغيير، ما حدث بالنسبة لأمناء الشرطة يقود الدولة نحو الانهيار، وعليها أن تفرج عن الشباب الذي تم القبض عليه بدعوى خرق قانون التظاهر، حتى لا يكون هناك خيار وفاقوس ولا تتكون مراكز قوة داخل الدولة.
وأوضح أنه لابد من تطبيق القانون علي منتسبي هيئة الشرطة، بل تطبق عليهم أقصى عقوبة لأنهم من يحافظوا علي الأمن، وعدم تطبيق ذلك يعني أننا ليست دولة قانون أو عدالة ومساواة، وتتحول الدولة إلي فئوية تعطي من تريد وتمنع من تريد.
وأشار إلى أن هذا الموقف يهز مصداقية الدولة، وإذا كانت الحكومة خضعت لابتزاز فئة ما، فعليها أن تقرر إما تطبق القانون على الجميع أو لا تطبقه، وإلا سوف نذهب لطريق مسدود ولا يمكن للدولة مهما استخدمت وسائل الإعلام لتجميل صورتها أن تحقق النجاح.
وتساءل دراج "أين دولة القانون وقانون التظاهر"، بأن يعتصم أمناء الشرطة في مديرية أمن الشرقية ويقتحموها ولم تجد الدولة حلا معهم سوى التفاوض، لذا عليها إما أن تكون دولة قوية أو رخوة، مؤكدا أن ما يحدث يضعف الدولة أكثر.
ورأى محمد زارع، عضو اللجنة العربية للإصلاح الجنائي، أن أزمة أمناء الشرطة لها زاويتين، الأولى سلبية وهي تناقض موقف وزارة الداخلية في تعاملها مع أمناء الشرطة والمتظاهرين المدنيين من الثوار أو المواطنين، مشيرًا إلى أن قانون التظاهر لم يتم تطبيقه على الحالة الأولى، وطبق بشدة مع الثوار.
وأوضح، أنه على مدار العام الماضي من حكم الرئيس "عبدالفتاح السيسي" ظهرت مطالبات إيجابية بتعديل بنود قانون التظاهر حتى لا نقف أمام تلك المواقف، فكثيرًا من النشطاء ذوي المطالب الفئوية تعرضوا للمحاكمات وطبق القانون عليهم.
وأشار إلى أن أمناء الشرطة خرجوا في تظاهرات من أجل مطالب فئوية خاصة بهم، وكانت تستطيع الداخلية تطبيق القانون عليهم، ولكنها من الناحية السياسية رأت أنها ستخسر الكثير، واحتمال أن يؤدي الأمر إلى مزيد من المشاكل والخسائر.
ولفت إلى أن الداخلية قدرت حجم المسؤولية والموقف، وفضلت عدم الصدام مع كياناتها، وأخذت التفاوض حلًا لتهدئة الطرفين، مشيرًا إلى أن ما فعلته الشرطة مع أمنائها هو الأمر المطالب في تلك الآونة ولكن يجب تطبيقه مع كل المصريين والثوار سواء كانت مطالبهم فئوية أو سياسية.
وشدد على أن بند التفاوض والتهدئة هو أفضل من المحاكمات التي لا داعي لها، فضلًا عن أن تلك التجربة يمكن تعميمها من قبل وزارة الداخلية، أما بعدم تطبيق القانون على أحد، أو تعديل بنوده بما لا يظلم طرف على حساب آخر، وكي لا يحدث تباين في مواقف جهاز الداخلية.
وأكد "شوقي السيد" خبير قانون دولي، أن ما فعله أمناء الشرطة هو اختراق واضح وصريح لقانون التظاهر؛ لأن احتجاجاتهم لم تتفق مع البنود الخاصة بالقانون، فلم يأخذوا تصاريح بالاحتجاج، فضلًا عن جرائم التخريب التي فعلوها، وعدم الانضباط وفقًا للقانون، ويمكن مسائلتهم جنائيًا ومدنيًا.
وأوضح، أن المحاضر والتحقيقات الخاصة بالواقعة والموجودة في شرطة النيابة العامة، إذا رأت أن هناك جريمة جنائية سواء كانت جنائية أو ارتكاب عصيان مدني أو اختراق لقانون التظاهر، فيجب تقييدها ضدهم لأنها تدخل في نطاق اختراق القانون ولا بد له من عقوبة.
وعن تصريح الداخلية بأن ما فعله أمناء الشرطة هو مجرد احتجاج وليس تظاهر، أكد "السيد" أن الفرق بين الاثنين طفيف جدًا، ويشبه الفرق بين حرية التعبير عن الرأي، وقضايا السب والقذف العلني.