الحوثيون يحررون أسعار المشتقات النفطية.. وتوقعات بارتفاع الأسعار للضعف
"القادم أسوأ بلا شك" .. عبارة رددها كثير من المواطنين اليمنيين في العاصمة صنعاء بعد أيام من سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين على القرار في العاصمة وإصدارهم الإعلان الدستورى من جانب واحد يوم 6 فبراير الماضى وتنصيبهم اللجنة الثورية العليا كحاكم للبلاد بموجب الإعلان .
وصدقت تنبؤات المواطنين اليمنيين فلم يكن هناك أى إدارة رشيدة للأوضاع في البلاد وجاءت عمليات دول التحالف العربى لاعادة الشرعية ردا على قيام ميليشيات الحوثيين وصالح بإعلان الحرب على محافظات الجنوب بدعوى هذه الميليشيات محاربة القاعدة والتكفيريين والدواعش ، وهم في الحقيقة كانوا يريدون القضاء على الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى وحكومته الذى استطاع أن يلجأ الى الرياض لتبدأ الاوضاع في صنعاء وباقى المحافظات اليمنية في التدهور السريع .
وتسببت الحرب في فرض الحصار على المنافذ البحرية والجوية لليمن مما أدى الى انعدام الاستيراد عصب الحياة في اليمن وندرة المشتقات النفطية وحدوث أزمة فيها حتى وصلت أسعار البنزين والسولار الى أكثر من 100 ألف ريال للصفيحة عبوة 20 لترا - يطلق عليها اسم الدبة - وكان سعرها الرسمى 3000 ريال ووصل سعر دبة الغاز الى 6000 ريال بعد 1500 ريال ولما جاءت الهدنة الاولى في شهر مايو الماضى ودخلت سفن البترول والغاز الى ميناء الحديدة (غربى البلاد ) الذى يسيطر عليه الحوثيون بكميات كبيرة تزيد عن حاجة المواطنين حدث تلاعب في توزيع هذه المواد ، واستأثر الحوثيون وأنصارهم بتوزيعها ونشطت تجارة السوق السوداء .
وأدى تدفق المواد البترولية للحديدة الي خفض الأسعار بدرجة كبيرة وحتى وصل الى 13 ألف ريال للدبة واتهم المواطنون الحوثيين بالوقوف وراء هذه الازمة لتوفير الاموال اللازمة لنفقات حربهم على الجنوب حتى أصدروا تعليمات بتوزيع المشتقات ووصل السعر الى 8000 ريال ولم ينزل إلى سعره الأصلى.
ولكن آثار أزمة المشتقات البترولية طالت كل المواطنين خاصة أصحاب الأعمال الخدمية والمحال الصغيرة والتى وجد أصحابها أنفسهم تحت ضغوط ارتفاع الأسعار خاصة في المواد الغذائية والنقل وعزوف المواطنين عن الشراء إلا لتوفير المواد الغذائية بالإضافة إلى إيجار المحلات فقام العديد منهم بإغلاق المحال أو إنهاء العلاقة الإيجارية لتخفيض النفقات وفقد الآلاف من اليمنيين وظائفهم وعم الكساد الاقتصادى العاصمة ومحافظات عديدة بالإضافة إلى حالة الحرب التى زادت تفاقم الأوضاع ومشاكل المياه التى ارتفع سعرها إلى ثلاثة أضعاف وانتشار طوابير المواطنين للحصول على البنزين والمياه بصورة كبيرة .
وجاءت تطورات الحرب فى الجنوب وتحرير محافظة عدن وفتح مطارها وموانيها أمام المساعدات الإنسانية التى قدمتها دول التحالف العربى بعد حصار الميليشيات لها ومنع أى مساعدات تصلها إلى حدوث انفراجة في الأوضاع المعيشية في عدن والمناطق التى تسيطر عليها المقاومة في الجنوب وانخفضت أسعار المشتقات البترولية إلى الأسعار الرسمية في الوقت الذى تواجه فيه صنعاء وباقى المحافظات التى يسيطر عليها الحوثيون مشاكل كبيرة في توفير هذه المشتقات بالسعر الرسمى وزاد سخط المواطنين على هذه الاوضاع وازدادت الانتقادات للحوثيين خاصة وأن المنظمات الدولية حولت دفة المساعدات من ميناء الحديدة الى عدن جنوبى البلاد لتقوم الحكومة الشرعية بتوزيع المساعدات.
وأمام هذه التطورات سربت الاجهزة الإعلامية للحوثيين أنباء عن اعتزامهم تشكيل حكومة لإدارة البلاد وقت الحرب ولكنها فاجأت المواطنين مساء أمس بالإعلان عن تحرير أسعار المشتقات النفطية وأن يكون سعر البيع طبقا لأسعار البورصات العالمية في الشهر الماضى وهذا أمر غير موجود على الإطلاق في دول العالم ، فأسعار البترول الخام هى التى تخضع للسعر العالمى أما المشتقات البترولية فهى خاضعة لفكر الدولة الاقتصادى والأحوال الاقتصادية بها ، وتقوم معظم دول العالم خاصة التى تعانى من صعوبات اقتصادية بدعم أسعار المشتقات البترولية حتى لا ترتفع الأسعار في كل الخدمات والمواد الغذائية والنقل.
ويتساءل المراقبون لتطورات الأوضاع ، ماذا يعنى قرار اللجنة الثورية العليا بتحرير أسعار المشتقات البترولية .. تحرير الأسعار يعنى في الاقتصاد رفع الدعم عن المنتجات حتى وإن كان القرار يهدف إلى رفع المعاناة عن المواطنين كما جاء في قرار اللجنة الثورية وبالتالى فان السعر الذى ستكون عليه دبة البنزين في اليمن حوالى 5000 ريال في المتوسط حسب تقديرات خبراء اقتصاديين .
صحيح أن هذا السعر أقل من سعر السوق السوداء ، لكنه أكبر من السعر الرسمى بألفى ريال ، وسوف يزيد من أعباء المواطنين فلماذا اذن ثارت الجماعة على قرار الحكومة اليمنية السابقة برئاسة محمد سالم باسندوه بزيادة سعر الدبة بألف ريال وجيشت قواتها بالتنسيق مع الرئيس السابق على عبدالله صالح ، واقتحمت صنعاء بدعوى رفض المواطنين لزيادة الأسعار وأسقطت الحكومة ثم الحكومة الجديدة التى تشكلت وأسقطت الرئيس وأجبرته على الاستقالة.
والمتابع للاحوال الاقتصادية فى اليمن يدرك تماما أنه لا يوجد طريق أمام الحوثيين لتوفير الأموال اللازمة لتكاليف الحرب إلا بهذه الطريقة ، خاصة وأنهم وجدوا أن المواطنين تعاملوا مع الأوضاع بطريقة اخدم نفسك بنفسك لعدم وجود حكومة فلجأوا إلى استخدام منظومات الطاقة الشمسية بدلا من الوقود وتعاملوا مع السوق السوداء للحصول على المشتقات البترولية ولذلك فهم يعرضون على المواطنين توفير المشتقات بسعر أكبر من السعر الرسمى بحوالى الضعف وهم مقتنعون أن المواطنين سيرضون نظرا لأن السعر أقل من سعر السوق السوداء وبذلك ينتهى الامر بسلام .
لكنهم لم ينظروا الى الجوانب السلبية لهذا القرار فسوف تزدهر السوق السوداء لندرة المواد البترولية سواء التى ينتجها اليمن والتى تقع تحت سيطرة قوات المقاومة والقوات الموالية للشرعية فى مأرب وشبوة وحضرموت أو المستوردة ، فمن أين ستوفر الجهة المنوط بها استيراد المشتقات البترولية الأموال اللازمة للاستيراد ، كما ان البنك المركزى يجد صعوبة فى توفير العملة الصعبة بل وتوفير مرتبات الموظفين كل شهر .
ويعد نجاح البنك المركزى فى توفير المرتبات حتى الآن معجزة بكل المقاييس كما أن القطاع الخاص الذى سمح له القرار باستيراد المنتجات كيف سيبيعها بالسعر الذى سيتم تحديده خاصة وأنه يجب عليه الاتفاق مع شركات ناقلات البترول لتوصيله إلى ميناء الحديدة وفى الظروف الحالية فإن مخاطر النقل فى ظل الحرب ستؤدى إلى رفع قيمة التأمين مما يزيد أسعار هذه المنتجات وبالتالى عزوف القطاع الخاص عن الاستيراد .
كما أن هذا القرار سيؤدى الى ارتفاع أسعار النقل والمواصلات في اليمن وهى التى زادت في الفترة السابقة للضعف ، وعبثا حاول الحوثيون إلزام أصحاب وسائل النقل العام بإرجاع السعر إلى ما كان عليه دون جدوى ، فهل يمكنهم الوقوف أمام الزيادات المؤكدة بعد تطبيق تحرير الأسعار .
وعلى الرغم من أن القرار به جوانب إيجابية مثل وقف العمل مؤقتا بتحصيل رسوم الجمارك والضرائب وصندوق الطرق وصندوق التشجيع المفروضة على المشتقات الا أنه أضاف 5 ريالات للتر البنزين والديزل لتمويل إنشاء محطة كهرباء وإضافة 1.6 ريال للتر البنزين و1.79 ريال للتر الديزل لحساب إنشاء ميناء نفطى ولمدة سنتين ويودع كل مبلغ فى حساب خاص فى البنك المركزى للإنفاق على المشروعين ، فلماذا يتحمل المواطنون هذه الزيادات والتى ستزيد بالتأكيد من سعر المشتقات البترولية .
كما حدد القرار عمولات شركات النفط ومحطات الوقود بواقع 4 ريالات عمولة شركة النفط عن لتر الديزل و3 ريالات عن سعر لتر البنزين وخمسة ريالات عمولة محطات البنزين لمحطات الوقود فهل سترضى المحطات عن هذه الأسعار ، كلها أسئلة تحتاج إلى توضيح للمواطنين وتؤكد أن القرار جاء متسرعا وبحاجة إلى مزيد من الدراسة على أرض الواقع وحساب الأوضاع الاقتصادية للمواطنين الذين يوجد منهم حوالى 70 % تحت خط الفقر.
وجاءت تعليقات اليمنيين على هذا القرار فى وسائل التواصل الاجتماعى مليئة بالسخرية فقال أحد المواطنين أن الحوثيين يريدون لنا أن نكون مثل دول العالم فهل هناك دولة فى العالم تنقطع عنها الكهرباء لمدة 4 أشهر والقائمون عليها غير عابئين بمعاناة الناس وهل اليمن وصل الى مستوى دول العالم حتى يفكر هؤلاء بالمساواة فى مجال أسعار المشتقات البترولية.. بينما هاجم البعض جماعة الحوثيين موضحا أنهم يسيرون على خطة افتعل أزمة ثم تظاهر بحلها .
ويتساءل النشطاء - عبر وسائل التواصل الاجتماعى - عن مستقبل الأسعار فى اليمن إذا ما زادت الأسعار العالمية كما كانت عليه الحال عند قيام الحكومة السابقة برئاسة باسندوه برفع الأسعار بسبب وصول سعر برميل البترول عالميا إلى 100 دولار وقتها وكم سيصل السعر حينئذ.
ويعد هذا القرار المفاجىء مقدمة لقرارات أخرى من اللجنة الثورية العليا ستؤثر بالتأكيد على أوضاع اليمنيين خاصة وأن التسريبات من قبل وسائل الإعلام التابعة لهم تشير إلى تبنى الجماعة (الحوثيون) لخيارات استراتيجية لمواجهة الأوضاع فى البلاد فى ظل الحرب الحالية.