صورـ "القباقيب" صناعة على أعتاب الانقراض.. وعم عبد العظيم "مكمل فيها والرزق على الله"
واحد من أغرب الأسلحة التي استخدمت في التاريخ وأبسطها، وعلى الرغم أنه استخدم في غير موضعه أو ما صنع لأجله، إلا أنه حظي بشهرة واسعة يدركها الجميع بل وأحيانًا يحفظها، فما إن يذكر اسم شجرة الدر، إلا وأن تجد الحديث قد تتطرق إلي القبقاب، وكيفية استخدام ضرتها له كسلاح لقتلها والتخلص منها، ليتحول ذلك الحذاء المتواضع في الشكل والأدوات المكون منها إلي كل ذلك الصيت والسمعة.
حرفة يدوية بسيطة، تعود أصولها للعهد الفاطمي، كان يتم استخدامه في المنازل وحمامات الأسواق ومازال موجودًا في بعض المساجد، استطاعت أن تحافظ تلك الصناعة على استمراريتها حتى الآن، وإن كان تواجدها علي أضيق الحدود ويظهر علي استحياء، وبين كل ذلك مخاوف كثيرة تدور حول اندثار تلك المهنة وانقراضها.
وبدت تلك المخاوف واضحة في عيون عم عبد العظيم محمد، ذلك الرجل الذي خط الشيب رأسه، صانع القباقيب، في دكانته الصغيرة في منطقة الربع، بالغورية بالية الملامح، والتي تنشع الرطوبة من جدرانها المتهالكة، كما أنه لا توجد عليه لافتة تشير إلي ماهيته، ووسط كل ذلك يجلس هو بإدراك وإتقان لما يفعل.
كل ركن في ذلك المحل يؤكد لك أنه من زمان فات، وهو ما أكده عم عبد العظيم "الدكانة دى رخصتها من 1938، يعني من قديم الأزل"، ورغم تواضعه، إلا أنه الأشهر في منطقته، فالجميع يعرفه، يكفي أن تسأل عليه علي بعد مئات الأميال، ليدلك عليه "بدل الواحد عشرة".
في دأب يصنع عبد العظيم قباقيبه منذ أكثر من 25 عاماً، بمراحل ثابتة، بدايتها قص للكاوتش الذي يحصل عليه من ورش السيارات، لتمثل وجه القبقاب، ويليها تقطيع خشب الأشجار إلي مقاسات متعددة له، وتدويرها علي شكل القبقاب وتسميرها، يفعل كل ذلك دون أن يرمي بالاً لرواج سلعته المنعدم، ووقوفها علي أعتاب الانقراض.
تباع قباقيب عبد العظيم طوال العام بركود، ولكن لها مواسم تزدهر فيها، وهي من أول شهر رجب وحتى رمضان، وقبل العيد الأضحى، حيث يتم وضعها في المساجد كصدقة، كما يشتريها منه الأهالي والسياح، ويقول "المهنة انتشرت زمان لما مكنش فيه بلاستيك، واللي بيستخدمها دلوقتي علشان مبتزحقلش"، مضيفًا " زمان القبقاب كان بـ 2 جنيه، إنما دلوقتي بيوصل لـ سبعة".
حين يجد حشرات في داخل الأخشاب "مسوسة"، يكون ذلك أصعب الأشياء التي تمر عليه خلال صنعته، لأنها تفسد عليه بضاعته وتعطله، ويذكر عم عبد العظيم أنهم ذات مرة وهم يقطعونه وجدوا بداخله ثعبان حى داخل الشجرة، فقاموا بقتله وتناثرث الدماء في وجوههم.
"محدش عايز يتعلم الشغلانة، هتنقرض كدا حالها حال الطرابيش"، قالها عم عبد العظيم بقلق، مشيراً إلي أنه حتى أبنائه لا يريدون تعلمها بحجة أنها عفا عليها الزمان، وصاحبت كلماته الخائفة علي المهنة، إصرار علي استكمالها، بالرغم من مشقتها عليه وصعوباتها التي تتمثل إرتفاع سعر الخشب والعمالة الخاصة به وندرة الزبون "في محلات كتير كانت للقباقيب وقفلت، بس أنا مكمل فيها والرزق علي الله".