في غزوة بدر.. الأخوة في الله أعظم رابطة والموت أسمى مطلب
" الله الله .. الله أكبر.. لا إله إلا الله ..الله أكبر الله أكبر .. ولله الحمد.. لا إله إلا الله وحده ..صدق وعده .. ونصر عبده ..وأعز جنده .. وهزم الأحزاب وحده "، أذكار ما إن نسمعها أو نرددها حتى تمتلئ أنفسنا براحة ربانية، راحة لم ندرك أنها تعود بنا إلى أيام الإسلام الأولى، حينما سطر المسلمون قوتهم في شبه الجزيرة العربية بحروف من نور، وتركوا المشركين مع جرح من المستحيل أن يبرأ، إنها أيام غزوة بدر الكبرى .
كانت أيام المغفرة في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة ، الموعد الذي اختاره الله ليميز الخبيث من الطيب، وليفرق بين الحق والباطل ،و يثبت أن جنده هم الغالبون مهما كانت قوتهم وعتادهم ، ومهما كانت قوة الخصم الذي يواجههم.
عدم التكافؤ بين فريقي المعركة أمر جسدته معركة بدر، فالفريق المسلم يساوى ثلث عدد المشركين، ليكون الأجر العظيم بجنات عرضها السماوات والأرض، حافزهم الأول لخوض تلك المعركة، التي لو كانت في الظروف العادية لكان الفشل ناتجها الحتمي .
وكانت سياسة الرسول في السنوات الأولى للدعوة تهدف إلى استنزاف موارد قريش الاقتصادية، والتي لا يساوون شيئا من دونها، فتم الاستيلاء على عدة قوافل تجارية للمشركين، لكن ذكاء أبو سفيان ، قائد القافلة تلك السنة، حال دون تحقيق الهدف، إذ غير اتجاه القافلة وسارع بطلب العون من قريش.
ليفاجئ المسلمون بأنفسهم في معركة لم يحسبوا لها حسابا، لكن ذلك لم يمنعهم من الإعداد السريع للمعركة، فبادروا بالتشاور لاختيار مكان معسكرهم ، ووقع الاختيار على مكان البئر حتى يحرم المشركون من المياة طوال الحرب.
وبدأت معركة بدر باستعراض للقوى كعادة جميع الحروب العربية آنذاك، فتمت المبارزة بين ثلاثة من جند المسلمين هم حمزة بن عبد المطلب وعلى أبن أبى طالب وعبيدة بن الحارث،وبين ثلاثة من فرسان قريش ينتمون لعائلة ابن ربيعة، لتكون مبارزة ذات دماء قريشة .
أبى الله أن يجعل دماء أبطال المسلمين تخضب أرض المعركة في بدايتها، فجعل النصر حليفا لهؤلاء الفرسان الثلاثة ، ليكون ذلك النصر النواة التي بثت الحماس في قلوب المسلمين وزادتهم إصرارا ، وقذفت الرعب في قلوب المشركين .
وأرسل الله جيش من الملائكة قوامه ألفا لتأييد المسلمين ، لتصبح يد الله هي التي ترمي وتصيب المشركين من حيث لا يدرون، وليضرب المسلمون بقيادة الرسول أروع الأمثلة في القتال وعدم الخوف وفي الفداء والتضحية .
ورسخت بدر مفهموم الأخوة في الدين، والتي تدنو أمامها أي روابط أخرى حتى ولو كانت روابط الدم، فهذا أبو عبيدة بن الجراح، أمين الأمة، لا يتوانى عن قتل والده عندما كان يسد عليه الطريق لمحاربة أعداء الله، فكان دمه قربانا يتقرب به إلى الله وإلى رسوله الكريم .
ولقي سادة قريش الذين عماهم حقدهم عن الدخول في دين الإسلام حتفهم، وعلى رأسهم الوليد بن المغيرة الذي قال الله فيه " ذرنى ومن خلقت وحيدا"، وفرعون أمه محمد، أبو جهل، الذي قتله غلامان من المسلمين عقابا له على سبه للرسول .
وكعادة كافة الجبناء، فر المشركون من أرض المعركة بعد رؤيتهم للهلاك في أعين المسلمين ، لينقسم الجيش المسلم إلى ثلاث فرق، أولاهم تحمي الرسول ، والثانية تتتبع الفارين، أما الفرقة الأخيرة فتحصد الغنائم، التي حولت فقرهم إلى غنى ، وعراهم إلى كساء ، وجوعهم إلى شبع .
وأسكتت الصدمة قريش، وأصابتهم بحزن شديد منعهم من رثاء موتاهم وأسيادهم، إذ اهتزت مكانتهم وسط القبائل العربية بخسارة قوامها سبعين رجلا ، ليقول الرسول على جثثهم "بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس" .
وبذلك يسدل الستار على معركة، كان فيها كراهية الدنيا وحب الموت ولقاء الل، ه صفاتا لجنود أبت الأرض أن تجود بهم مرة ثانية، فتحول الخوف بالنسبة لهم دافعا، والموت مطلبا، ليصبحوا أحياء عند ربهم يرزقون.