دراما عقوق الأبناء وضرورة أن تكون للكبار فقط
إن قضية عقوق الأبناء هى قضية قديمة جديدة، وهى فى رأيى تمثل قمة المأساة الإنسانية، وأسوأ الممارسات للنفس البشرية، إنها تكون من الأبناء للآباء والأمهات وهى من الكبائر التى أدانتها الأديان السماوية خاصة الدين الإسلامى، حيث اعتبرت من الكبائر بعد الشرك بالله، وأوصى القرآن الكريم بحسن معاملة الوالدين والرحمة بهما عند الكبر، من هذا المنطلق يصبح من الضرورى حينما تتعرض الدراما لهذه الممارسة القاسية من الأبناء الكبار ضد الآباء فى شيخوختهم وكبر سنهم، فإنه لابد أن يكتب فى المقدمة أنها للكبار فقط، وأنتقل إلى مسلسلين يعرضان لقضية عقوق الأبناء، والتى تصل إلى حد الجريمة التى تجسد تدنى النفس البشرية ضد الآباء الذين رعوا الأبناء فى الصغر، ومن متابعتى لمسلسلين حظيا بمتابعة كثيفة من المشاهدين، وكل منهما يدخل فى خانة التميز فى الأداء والإخراج، لكنهما كان يجب أن يكتب قبلهما «للكبار فقط»، وذلك لأنهما يضمان مشاهد تندرج تحت بند التراجيديات السوداء التى تبين أنه لا مفر من اليأس، وليس من بصيص لأمل فى التخلص من وجع الروح مع بشاعة الواقع ؛ أولهما هو مسلسل «دهشة» المأخوذ عن مسرحية شهيرة لواحد من أعظم الأدباء فى التاريخ هو الأديب الإنجليزى ويليم شكسبير، وهى «الملك لير»، وهى تراجيديا إنسانية لاتزال موجودة فى واقعنا، ألفها شكسبير فى عام ١٦٠٣، وقدمت لأول مرة فى ١٦٠٩، وتعد من أفضل ما قدم ملك التراجيديا، وترجمت لأكثر من لغة، كما قدمت كمسرحيات كان بطلها أيضًا يحيى الفخرانى، ولقيت نجاحاً كبيراً، وهى تجسد قصة الملك الأسطورى لير الذى يواجه عقوق ابنتيه الكبيرتين وزوجيهما، ويطرد الابنه الصغرى ويحرمها من ميراثه رغم أنها الأكثر حباً وإخلاصًا له لكنها لا تجيد النفاق، وتنتهى المسرحية بمآسٍ متواصلة للأب والابنة النقية وسط ندمه، ومآسٍ للابنتين وزوجيهما وسقوط للجميع، المسلسل ينقلنا ببراعة إلى أجواء الصعيد دون افتعال، المأساة تتكشف وهو يكشف تناقضات النفس البشرية لتظهر أسوأ ما فيها، المسلسل تميز بأداء بديع ليحيى الفخرانى، ومجموعة الممثلين معه عايدة عبد العزيز، وفتحى عبد الوهاب، ويسرا اللوزى، وحنان مطاوع، كما يقدم مخرجًا شابًا اهتم بالبعد الصعيدى وبصورة فنية ذات بعد جمالى لتخفف من قسوة الأحداث، وبشاعة النفس البشرية حينما تصل إلى قاع تدنيها المتمثلة فى عقوق البنتين الكبيرتين، وتآمرهما وعجز الأب عن رؤية حقيقة مشاعر ابنته الصغرى النقية، التى لا تعرف النفاق لكنها تحب أباها دون تملق، هذا العمل يحسب لفريق العمل الذى كتب انه مقتبس عن تراجيديا شكسبيرية، لكنها قدمت بروح الصعيد الجوانى.أنتقل إلى مسلسل آخر يقدم نفس القضية، لكنه فى المدينة وسط أسرة فقيرة بها ٧ أبناء وأب عاجز مريض، لكنهم يجسدون قمة العقوق وقمة الإجرام فى تراجيديا مركبة ترسم صورة مجتمع فاسد ليس به أى بصيص أمل فى إصلاح أى شىء، وللحديث بقية..