رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلم العودة إلى سوريا

أتابع، وعن كثب، ما يحدث حاليًا فى سوريا فى أعقاب تولى ما تُسمى بهيئة تحرير سوريا السيطرة على مقاليد الحكم هناك، وذلك من خلال تواصلى المستمر بالعديد من الأصدقاء السوريين، سواء الموجودون فى مصر أو فى بعض المحافظات السورية؛ من منطلق سابقة عملى بالسفارة المصرية هناك لعدة سنوات؛ عايشت خلالها التركيبة النوعية التى تشكل الشعب السورى، سواء من السُنة أو الشيعة أو المسيحيين بمختلف طوائفهم، وكذلك الأكراد والتركمان والدروز وغيرهم، بالإضافة إلى التوجهات السياسية إبان فترة حكم حافظ الأسد ثم بشار الأسد، حيث كان حزب البعث هو الحزب الأوحد الحاكم هناك، ولا صوت يعلو على صوته فى حكم وإدارة شئون البلاد، بالإضافة إلى سيطرة الطائفة العلوية على مقدرات الثروات الاقتصادية بحسبانها الطائفة التى ينتمى إليها الرئيسان الأب ونجله، وقد تعمدت عدم التعجل بالحديث عما يحدث فى سوريا، مكتفيًا بالاطلاع على معظم المقالات المحلية والعالمية والتحليلات السياسية حول الأوضاع هناك.

إن الواقع فى الداخل السورى ليس هو ما تتناقله وسائل الإعلام الخارجية، التى تحاول رسم صور إيجابية عن الحياة فى أعقاب الأحداث الأخيرة فى سوريا، والتى تمكنت الفصائل المسلحة التى كانت تحتل محافظة أدلب من الاستيلاء على الحكم، وطرح اسم أبومحمد الجولانى رئيسًا للهيئة الحاكمة هناك، بعد خلع اسم الكنية والجلباب أو اللباس العسكرى، وارتداء البدلة والكرافت، والظهور بمظهر القائد الذى أطاح بحكم الطاغية بشار الأسد.. وهناك ما يقرب من 120 فصيلًا مسلحًا موجودًا فى محافظة أدلب، التى يبلغ تعداد سكانها 3 ملايين نسمة، ارتبطت معظم نسائها بعناصر من التنظيمات الإرهابية الموجودة هناك منذ 12 عامًا؛ مدعومة بأحدث الأسلحة وسيارات الدفع الرباعى والأموال التى حصلت عليها من عدة أجهزة استخباراتية، على رأسها داعش والنصرة وجيش الإسلام والفتح وبيت المقدس والقاعدة، التى ينتمى إليها أبومحمد الجولانى- أحمد الشرع حاليًا- وتؤكد المعلومات أن المذكور تلقى تدريبات على أعلى مستوى من قِبل تلك الأجهزة؛ كى يظهر أمام العالم بهذا الشكل الذى نراه به حاليًا، بالإضافة إلى تواصله المستمر مع تركيا وإسرائيل تحديدًا بمباركة أمريكية، لإضفاء الشرعية على وجوده وتجهيزه لرئاسة الدولة السورية خلال المرحلة المقبلة، وبالتالى فإن وجود التنظيمات الإرهابية، على رأسها تنظيم الإخوان المسلمين، سوف تكون له شرعية ووجود معتبر هناك، الأمر الذى جعل معظم الشعب السورى فى حالة خوف وقلق مما هو قادم، وليس كما نرى فى الفضائيات الموالية للأنظمة التى تسعى لنشر الفوضى فى المنطقة العربية، وتعمل على محاولات إسقاط الدول بها وفرض سيطرتها عليها، من خلال هذه الفصائل المأجورة التى تعمل وفقًا لأجندات الأجهزة الاستخباراتية المختلفة؛ حتى إن التصريحات الوردية التى يُطلقها بعض الفنانين ورجال الأعمال والمثقفين فى سوريا تصدر عنهم عن عدم اقتناع، وتحت تأثير الخوف من تعرضهم للإيذاء من العناصر المتشددة التى تحكم وتتحكم فى الأمور هناك حاليًا.

وتشير المعلومات الواردة من الداخل السورى، خاصة فى محافظات اللاذقية وطرطوس وحلب وحمص، إلى أن طائفة الشيعة، وكذلك المسيحيين، بمختلف طوائفهم، على قناعة تامة بأن هناك اتجاهًا لإقصائهم عن ممارسة حقوقهم السياسية وشعائرهم الدينية، وأن ما نراه حاليًا هو تنفيذ لتوجيهات أمريكية وتركية لطمأنة هذه الفئة من الشعب، التى تمثل نسبة كبيرة من الشعب السورى، وليس أدل على ذلك ما تعرضت له الكنائس السورية، وكذلك المناطق الشيعية فى سوريا، من عمليات نهب وتخريب قبل ورود تعليمات عليا من الخارج بإيقاف تلك الأعمال على الأقل خلال المرحلة الحالية، إلى أن تستتب الأمور فى أيدى هيئة تحرير سوريا، ثم يعاد تقسيم الغنائم على الفصائل المسلحة الأخرى لترضيتها بالشكل الذى سوف يتم الاتفاق عليه.

ولعل من أبرز الشواهد على ذلك، تلك التعيينات الوزارية التى أعلن عنها مؤخرًا، وجميعهم من العناصر المتطرفة التى تنتمى للعديد من التنظيمات الإرهابية التى كانت موجودة فى محافظة أدلب، وأن جميع المعطيات تؤكد أن وضع دستور جديد للبلاد لن يتم خلال شهر مارس المقبل كما سبق أن أعلن أحمد الشرع ذلك، بل سوف تمتد الفترة لأجل غير مسمى حتى يتم الاطمئنان إلى سقوط سوريا بالكامل فى أيدى تلك الهيئة التى يشرف على تحريكها، كما سبق أن أشرنا أمريكا وتركيا وإسرائيل، وتقوم قطر بتمويلها ماديًا لعدم حدوث أزمات اقتصادية خلال المرحلة الحالية.

إن حلم العودة للاجئين السوريين إلى وطنهم الأم، بات يراود العديد من أبناء الشعب السورى الذى ترك بلاده منذ 12 عامًا، وأول من فكر فى ذلك هم أولئك الموجودون فى خيام منصوبة لهم على الحدود التركية منذ هروبهم إليها الذين يبلغ عددهم حوالى 3.7 مليون سورى، وتسعى السلطات التركية إلى إعادتهم فى أسرع وقت.. أما أولئك الذين استقروا فى بعض الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا، معظمهم أطباء ومهندسون، بعضهم يحمل إقامات رسمية، والآخر يحمل الجنسية الألمانية، فإن فكرة العودة غير مطروحة لديهم نهائيًا.

وفى مصر التى تحتضن أكثر من 2 مليون سورى، فإن العديد منهم قام بالعديد من المشروعات الناجحة فى مجالات متنوعة، مثل التجارة والصناعة والأغذية، واستطاعوا اختراق قلوب المصريين بمحبة وسهولة، واندمجوا معهم دون الشعور بأى فوارق بينهم.. وعلى الرغم من شعورهم بالارتياح نتيجة إسقاط حكم بشار الأسد، فإن معظمهم لم يحدد موقفه من العودة إلى بلاده، إما خوفًا من وقوع صراعات داخلية بين الفصائل المسلحة هناك، أو ارتباطهم باستثمارات كبيرة فى مصر، أو لاستمرار أبنائهم فى الدراسة بها، ولذلك فإن الغالبية منهم تعيش فى حالة ترقب ومتابعة لما سوف تسفر عنه الأيام المقبلة هناك، كى تتخذ القرار الذى يناسبها، سواء بالعودة أو البقاء.

إن ما يشعر به السوريون فى بلاد المهجر هى أحلام مشروعة، ولكن ما يصل اليهم من أخبار ومعلومات تجعلهم فى حالة ترقب، خاصة أن سيطرة الجماعات المسلحة على الأوضاع فى سوريا التى تحاول أن تضفى هيمنة التيار الدينى المتشدد الذى تعتنقه تلك الجماعات وتحاول فرضه بالقوة، سوف يؤجل حلم العودة إلى أن تظهر حقيقة ما يحدث والأهداف الحقيقية من وراء الدعم التركى- الأمريكى- الإسرائيلى للنظام الموجود حاليًا هناك، والمكاسب التى سوف تتحقق لهم على حساب الشعب السورى الشقيق.