خناقة كل يوم.. طفّوا النور يا ولاد
نحن صور مكررة من والدينا، حتى لو كان هناك ما ننتقدهم فيه، ولكننا تدريجيًا ومع تقدم العمر نجد أنفسنا نكرر ما كنا نعتب عليهم فيه أو ربما ننتقده في تعاملاتهم معنا.
هناك مثلًا، تلك العبارة التي كنا نتأفف كلما سمعناها منهم: "طفّي النور يا ابني طالما خرجت من أوضتك". وعندما كبرنا وأصبحت لدينا حياة مستقلة وبيت نتحمل مسئولية إدارته، صرنا نكرر على أولادنا ذات الطلب الذي رفضناه من والدينا بالأمس البعيد.
هنا يفرض السؤال نفسه: لماذا كنا نتأفف من الأمر إذن؟، ولماذا يتجاهل أولادنا هذا الطلب، ويعتبرونه عبئًا ثقيلًا، وأمرًا ملزمًا نفرضه عليهم بسلطتنا الأبوية الديكتاتورية؟
كبرنا بما فيه الكفاية وأدركنا أن في ترشيدنا للطاقة توفيرًا لميزانياتنا الشخصية، وتخفيض عبء مالي يثقل الموازنة العامة للدولة، ونحن في النهاية كدولة ومواطنين- ملزمون بسداد فاتورة هذا الاستهلاك المبالغ فيه لتشغيل محطات توليد الكهرباء بكامل طاقتها على مدار الساعة.
مع الأزمة التي عشناها بالأمس ونودعها اليوم بغير رجعة- إن شاء الله- عرفنا أن هذا التوفير يقلل من فرص انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة بسبب نقص الوقود المطلوب. زدنا يقينًا بأن لمبة مطفأة في النهار، سنكون أحوج ما نكون لضوئها في الليالي الحالكة. تلك المصابيح المضاءة بدون حاجة سواء في بيوتنا أو في نهر الطريق في وقت النهار، ستكون هادية لنا ودليلا إن نحن أضأناها في ظلمة الليل، أو استبدلنا طاقتها لنشغل بها خط إنتاج في مصنع، أو مكتبًا في منشأة حيوية في وقت النهار.
أعلن السيد رئيس مجلس الوزراء انتهاء خطة تخفيف الأحمال بشكل نهائي، وهو في هذا كان وفيًا بالوعد وبالتعهد الذي قطعه أمام الشعب حين تضرر الجميع من تأثير هذه الخطة على الأفراد والمنشآت الاقتصادية والسياحية والأمنية والصحية وغيرها.
لكن هذا الوفاء بالوعد لا يعني أن الأزمة قد تلاشت من تلقاء نفسها، فالكل يدرك أن فاتورة دولارية ضخمة تم تحميلها لميزانية الدولة حتى نتجاوز تلك المعضلة.
الأمر إذن يحتاج مزيدًا من الحكمة في التفكير من طرف الحكومة، والترشيد في الاستهلاك من جانب الأفراد.
ومن هذا المنطلق أطلقت "الدستور" مبادرتها الوطنية لدعوة المواطنين لمزيد من الترشيد للاستهلاك الذي قد يكون في غير موضعه. قد يقول قائل: أي ترشيد هذا الذي تطلبون في ظل موجة الحر الشديدة التي نعانيها هذه الأيام؟ أتفق معك تماما، إذ لا بديل عن استخدام المراوح الكهربائية وأجهزة التكييف ليلًا أو نهارًا. لكن الأمر لا ينسحب أيضًا على غيرها من الأجهزة. فلماذا لا نعود إلى سيرتنا الأولى من التجمع في غرفة واحدة لنحكي كأسرة مترابطة نناقش أمورنا ونستأنس ببعضنا البعض؟ نحن في ذات الوقت سنوفر في الطاقة لصالح الوطن كله ونوفر لميزانية الدولة المنهكة بفعل كثير الأعباء وغلاء الأسعار وارتفاع قيمة الفواتير الخدمية وفي القلب منها فواتير الكهرباء.
مبادرة مشكورة من مجلس إدارة "الدستور" نشكر القائمين عليها، وننتظر بقدر ثقة القراء في هذه المؤسسة الغراء أن يستجيبوا لها، وأن نشهد مردودها في شوارعنا وبيوتنا. فضلًا عن ضرورة أن يكون هناك تجاوب مجتمعي بأن يبادر المواطن بالإبلاغ عبر الخط الساخن لتلقي شكاوى الكهرباء رقم 121 عن أي منطقة يجد فيها شوارع مضاءة نهارًا، أو أي خلل فني يحتاج إصلاحًا في منظومة الكهرباء.
وفي نهاية المقال أناشدكم وأرجوكم وأذكركم قائلا: "طفّوا النور يا قرائي الأعزاء".