أكتب لأني أريد أن أفهم
إيمان جبل: الكتابة رحلة الوعي الكبرى للكاتب رجلًا كان أم امرأة (حوار)
إيمان جبل، صوت أدبي، استطاع أن يبرز حضوره الإبداعي علي الساحة الثقافية المصرية، ليعلن عن ميلاد كاتبة تمتلك أدواتها الفنية، لا تنشغل بحديث الجوائز ولا التصنيف الأدبي،فقط مهمومة بالكتابة، حتي تعتبرها محركا للاستمرار في الحياة.
وحول الكتابة، الجوائز ــ حيث تأهلت روايتها “لعبة البيت” للقائمة الطويلة لجائزة غسان كنفاني، العام الماضي 2023، وعن النشر المتحيز للرواية دون الشعر، كان لــ “الدستور”، هذا اللقاء مع الكاتبة الشابة إيمان جبل، صاحبة أعمال، من ينقذ بحيرة البجع؟، قيامة تحت شجرة الزيتون، لعبة البيت، لا أحد ينجو من أنا فونتينا، كل هذا الدفء في عيني مريم.
درست الطب البيطري، كيف تحول مسارك المهني إلى الكتابة؟
لم يكن هناك تحول في المسار. لم أترك شيئًا من أجل شيء آخر، فالكتابة ملازمة لكل مسار سلكته في حياتي.
فى روايتك “لعبة البيت” شخصيات ربما يعيش كثيرون معها فى حياته اليومية، فهل كان لإيمان جبل الفرصة للعيش مع شخصيات مماثلة أستلهمت منها الرواية؟
نعم، لقد عايشت شخصيات ونماذج مشابهة، بل ومتكررة في حياتي، لكنني في هذه الرواية تحديدًا لم أتعمّد محاكاة النماذج الحقيقية، أوإسقاط بدائلها على الورق، كتبتها وأنا في حالة انفصال عن الواقع، عن أي واقع أعرفه، ولكن كيف يهرب الكاتب من لا وعيه؟ تبدو عملية مستحيلة على ما أعتقد.
يشعر القارئ أن شخصيات رواية “لعبة البيت” فى حاجة لمساعدة نفسية، فهل استعنت بطبيب نفسي بالفعل لفهم دواخل وذوات تلك الشخصيات حتى تصيغينها على الورق بهذه الدقة التى أوصلت مشاعرهم للقارئ؟
أنا أكتب الأدب ولا أكتب في الطب النفسي، أو علم النفس.ربما في حالات تناول أمراض نفسية واضحة يتوجب الرجوع لمختص. لكن في حالة لعبة البيت، الحالة العفوية الأولى لمجموعة من البشر في سجنهم البدائي الذي لا يحيدون عنه، تقصدت سرد النفسية دون تدخل مني حتى. وبفرض أنهم جميعا يعانون من أمراض نفسية، فهم لا يعلمون ذلك، وأنا أيضا لا أريد أن أعلم، ولا أريد من قارئي أن يدخلهم في حيّز يسجنهم فيه هو الآخر.
تكتبين رواياتك بنَظم شعري، هل هذا من تأثير ملكة الشعر لديك؟ حتى أن من لا يعرف أنك شاعرة سيخمن ذلك من السرد الروائي؟
لا أستطيع الحكم على نفسي، ولكن لن أنكر أني أكره الخروج عن الإيقاع أيا كان ما أكتبه.ليس الإيقاع أو النغمة أو القانون الذي أنزله أي نوع أدبي، بل إيقاعي أنا.
ليس بإمكاني الكتابة دون نغمة تخص صوتي، وكل كتابة خرجت من بين يدي صلبة حادة لا تحمل من روحي، أُقصيها تمامًا عن جسد النص.
هناك فكرة عالمية، لا تخص الأدب العربي فقط، تقول بأن طريق الأدب خاصة كتابة الرواية أصعب على السيدات مقارنة بالرجال، فهل هذا صحيح من وجهة نظرك؟ وهل صادفتك صعوبة فى النشر أو النقد أو غيره فقط لأنك سيدة تكتب؟
لن أخفيك سرًا كل شيء في هذا المجتمع، مجتمعنا العربي، مجتمعنا المصري صعب على السيدات. الصعوبة الأم خرجت أساسًا من هذه الفرضية، فرضية كون الكاتب امرأة.وقشرة التحضّر والنظرة الراقية للمرأة خارج المجتمع الأدبي وداخله ما هي إلا قشرة. قشرة كبيرة من تحتها ستجد كل شيء غير أخلاقي وغير إنساني ممكن ومباح..صحيح أن مثل هذه الأوضاع العجيبة موجودة، لكن هذا لا يعني أن يقف الإنسان ليندب حظه أمامها. الكاتب الحقيقي، رجلًا كان أم امرأة يكتب، يستمر في الكتابة. وما يبقى في النهاية ويخلد هو منتجه الأدبي فقط.
محور مجموعتك "لا أحد ينجو من آنا فونتينا" الوعي الإنساني الذاتى. تقع فى مشكلة فلن يحلها إلا أنت، وهى التيمة التى تكررت فى لعبة البيت، فهل نفهم أن هذا مثلا مبدأ شخصي للكاتبة شاءت أم أبت يخرج على أوراقها لأي غرضً كان كالتحريض على الحياة مثلا؟
الكتابة نفسها هي رحلة الوعي الكبرى للكاتب، وفي نسيج الأدب يكتشف الكاتب ويستكشف وعيه وصوته الحقيقي. حينما أكتب عن الحياة، لا يعني هذا أني مدفوعة في الكتابة لأني أعرف اليقين والإجابة سلفًا.. مثلي مثل المتلقي، مثل القاريء الذي يجهل الكاتب ويجهل بطل حكايته. أنا أكتب لأني أريد أن أفهم، لأني أريد أن أصل، وأن أستمر في هذه الحياة.
صدر لكِ مؤخرا ديوان"كل هذا الدفء فى عيني مريم" هل واجهت صعوبة فى نشر الديوان، خاصة وأن أغلب دور النشر ومنذ سنوات مُقلّة فى نشر الشعر أمام زحف الرواية وهل ترين أن هناك من لا يزال يقرأ الشعر بكثافة كما تقرأ الرواية مثلا؟
في البداية واجهت صعوبة في نشر الشعر بشكل عام، صعوبة في الفكرة من أساسها. بعدها وجدت صعوبة في نشر الشعر بالشكل الذي أريده، وليس بالشكل الذي يريده الناشر.وحتى بعد نشري للديوان الأول، لا زلت أحمل نفس المخاوف في نشر الشعر، لأني أريد الاستمرارية في تقديم المشروع الشعري كاملًا وبالتصوّر الذي في مخيلتي، وليست هنالك أي ضمانة أو علامة قريبة تؤكد أنهم هنا في السوق الأدبي المصري سيهتمون بنشر الشعر بشكل عام في سياق منتظم وممنهج.ولكن على العموم سأكمل، وأنا أنوي أن أستمر حتى وأنا أحمل هذه المخاوف.
وبالنسبة لجمهور الشعر، نعم هنالك جمهور حقيقي وكبير للشعر. لكن القصور العظيم في نشر الشعر، والرؤية المعمّمة للناشرين الموجهة لهذا المنتج الأدبي ساهمت في الترويج لفكرة موت جمهور الشعر، أو انقراضه.. وهذا مناف للواقع تمامًا.
بين الشعر والرواية والقصة، أين تجدين نفسك أكثر؟
كل نوع يخرج فيه جزء أصيل مني، كل نوع يمثل لي كفايةً وتتمةً لمنطقة ما داخلي.
هل ساهمت الجوائز الثقافية في بث اتجاهات قرائية بعينها استهدافا لهده الجوائز؟
لا تعنيني سياسات الجوائز ولا توجهاتها، أنا أكتب ما أحب وبالشكل الذي أحبه. الشيء الوحيد الذي ألتزم به أثناء الكتابة هو احترام سياسات وقوانين النص الذي أكتبه، أما ما هو خارج حسبة الكتابة فلا أنظر إليه.
ما جديد إيمان جبل تعمل عليه؟
شرعت مؤخرًا في كتابة الرواية "مشروع منحة التفرغ".