بوتين يتجه شرقًا: البحث عن حلفاء الحرب العالمية الثالثة
يعيش العالم في المراحل الأولى من الحرب العالمية الثالثة، فانتشار جائحة كورونا وما خلفته من تقليص لأعداد البشر، وتداعيات على اقتصاديات العالم، ثم الحرب الروسية الأوكرانية التي تخطت العامين وحرب غزة التي دخلت الثلث الأخير من عامها الأول وكذلك أوضاع الملاحة في البحر الأحمر، مؤشرات على أن هذه الحرب قائمة بالفعل، حسبما يرى خبراء ومحللون تحدثوا لـ"الدستور".
ووسط هذه الحرب العالمية، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جولة آسيوية شملت الصين وكوريا الشمالية وفيتنام، بحثا عن شركاء دوليين بعيدا عن المعسكر الغربي، يناصبون الولايات المتحدة وحلفها العداء، لإقامة نظام عالمي جديد لا تهيمن عليه دولة واحدة وتحصل فيه الصين وروسيا على وجه الخصوص على المكانة التي تستحقها في العالم.
التنافس مع الغرب
قال المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجيع إن التنافس بين روسيا والغرب فتح المجال أمام موسكو للتحرك نحو الصين وفيتنام وكوريا الشمالية، وهذا التقارب رسالة تهديد للغرب، مفادها أننا سنتقارب مع الدول التي تعتبرونها أعداءً لكم وتهدد أمنكم، ومصالحكم في المنطقة.
وأضاف بريجيع في تصريحات لـ"الدستور" أن هذا التحالف يهدد مصالح الولايات المتحدة وقواعدها العسكرية الاستراتجية، والشراكة الشاملة التي جرى توقيعها مع بيونج يانج تفتح المجال أمام التعاون في تطوير صناعة الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى، بما يهز عرش الولايات المتحدة في المنطقة.
وتابع المحلل الروسي بالقول إن هذا التحالف يساعد أيضا كوريا الشمالية في بناء علاقات مع الشركات الروسية في المجال العسكري، ويمكن أيضا أن تستفيد روسيا من خبرة كوريا الشمالية في تطوير أسلحة معينة، والعمل على مشاريع مشتركة، وهذا دور يلعبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزارة الخارجية، فكوريا الشمالية لديها نفس المشاكل تقريبا فيما يتعلق بالعقوبات الغربية والحصار الذي تعاني منه منذ سنوات طويلة بسبب السياسة الأمريكية.
عالم متعدد الأقطاب
ونوه بأن فييتنام أيضا كان لديها علاقات قديمة مع الاتحاد السوفيتي، وكذلك كوريا الشمالية والصين، وهذه الدول تعتبر من دول التحالف الاشتراكي الذي تقارب كثيرا مع سياسات الاتحاد في وقت سابق.
واستطرد: "كون روسيا هى الوريثة للاتحاد السوفيتي فهي تعمل على إعادة الزمن للوراء بما يعطي انطباعا بأن روسيا دولة قوية تسعى لبناء عالم متعدد الأقطاب، تلعب فيه دور مهم بين الشرق والغرب، من جهة في آسيا، ومن جهة أخرى في القارة الإفريقية.
أشار إلى أن شركة فاجنر الروسية كان لها دور في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، وهذا مهد الطريق لموطئ قدم روسي في كل مكان، بما يعيدنا إلى الحرب الباردة من جديد في زمن مختلف والاقتصاد الروسي لا توجد عليه هيمنة من قبل الحكومة كما كان في السابق، وتحاول الحكومة التهرب من العقوبات الغربية وتخطيها من خلال الدول الصديقة.
وحذر بريجيع من أن الانقسام بين روسيا والولايات المتحدة قد يقرب العالم من حرب شاملة كبيرة لا يستطيع أحد فهمها أو استيعابها، لأن هناك سيناريوهات كثيرة، منها الصراع في الشرق الأوسط، وفي منطقة آسيا بين الصين وتايوان، والحرب في أوكرانيا وسط تهديد روسي باستخدام أسلحة نووية تكتيكية حال دعت الضرورة لذلك.
الاتجاه شرقا
من ناحيته، قال د.عمرو الديب الأستاذ المساعد بالأكاديمية الرئاسية الروسية إن الشرق بالنسبة لبوتين هو الاتجاه الوحيد الذي يمكن أن يتحرك فيه بشكل شبه حر، ومن أهم وجهاته الصين وكوريا الشمالية وفيتنام، وهي دول تمتلك علاقات قوية جدا مع روسيا وسط رغبة موسكو في إنشاء عالم متعدد الأقطاب، خصوصا مع الدول الصديقة لروسيا وهو اتجاه تجد موسكو نفسها مجبرة على السير فيه، وبخطى متسارعة في محاولة للوصول إلى عالم لا تهيمن عليه دولة واحدة.
أضاف الديب، لـ"الدستور"، أن كوريا الشمالية لها توجهات معينة في علاقاتها مع اليابان أو كوريا الجنوبية حلفاء الولايات المتحدة، وهي تمثل صديقا مشتركا لروسيا والصين، ومن جهة أخرى تريد بكين الحصول على مكانتها التي تراها عادلة في النظام العالمي الذي تريد إقامته مع حلفائها.
وأوضح أن مسألة نجاح هذه التحالفات أمر متروك للمستقبل القريب، لكن الرغبة موجودة، تمثلها عديد من الدول، ومن بينها دول منظمة مجموعة شنجهاي للتعاون، أو مجموعة بريكس، وهي خطوات تقوم بها روسيا والصين لإقامة مثل هذا العالم.
حرب عالمية ثالثة
وتابع: العلاقات الروسية مع دول العالم الغربي باتت معدومة والصين وكوريا الشمالية على وجه الخصوص وجهات للرئيس الروسي ودون هذه الدول لن يذهب بوتين إلى أي مكان آخر غير بعض الدول العربية واللاتينية أو دول الاتحاد السوفيتي السابق، وهي تحركات طبيعية وسط عدم وجود شركاء غربيين.
وحول الرسالة التي يريد بوتين إيصالها للغرب من هذه التحركات، يرى الديب أن سيد الكرملين يريد القول: لي أصدقاء، ما يزال لدينا أصدقاء في العالم. أما أهمية هذه الرسالة من عدمه فهو أمر متروك أيضا للمستقبل القريب.
أكد أن العالم يعيش حربًا عالمية ثالثة ونحن لا نشعر بها، لكن بنظرة دقيقة إلى الأحداث التي يمر بها العالم منذ 2020 وفيروس كورونا الذي أثر على عدد سكان واقتصاديات العالم، فضلا عن الحرب في أوكرانيا منذ عامين، والحرب في غزة التي قاربت السنة والتجاذبات الإيرانية الإسرائيلية والأجواء في البحر الأحمر، كلها أمور تؤكد أننا نعيش في هذه الحرب لكن في مراحلها الأولى.