إلى أين يا غزة؟
بت من المؤمنين بأن الحرب الدائرة فى فلسطين، حرب غزة أو السابع من أكتوبر، كما يسميها المحللون والمراقبون والناس عمومًا، هى حرب ذات أبعاد أعمق بكثير مما يظهر على السطح الذى يغلى تحت نار لا تنطفئ، ومن جميع الآفاق التى صارت الجثث مرآها وتلونت بلون الدماء القانى المرعب.
كأن هذه الحرب ولدت لتكبر وكبرت لتبقى سرمديًا، وكأنها تدور فى الداخل الفلسطيني، الغزى تحديدًا، وعينها على الخارج بأكمله، وكأنها حرب تخوضها إسرائيل من أجل قوى أكبر منها، استغلت ما جرى، وأرادت تغيير الخرائط من خلال المخلب الإسرائيلي، مقدار ما تخوضها من أجل أطماعها، لا أمنها، كما تدعى مرارًا وتكرارًا.
من ضمن أهداف هذه الحرب اللعينة المستمرة، بالرغم من كل النداءات المعتبرة بضرورة إيقافها الفورى، أن يضجر معظم المتابعين من المتابعة، أن يترك أكثر المحيطين بالغابة فرائسها لمفترسيها، وحين يسألهم سائل مندهش: لماذا تركتم الغزالة للفهد الصياد؟ يقولون يائسين: مللنا من المشاهدة، ووجدنا الفهد الصياد مصرًا والغزالة مقاومة؛ فقلنا: يكون ما يكون على أن نستريح من عناء التفرج على المطاردة وصولًا إلى النهاية.. "هكذا يتوهمون أن الفهد يريد الغزالة منفردة، وأنهم ليسوا فى خواطره السيئة!".
شيئًا فشيئًا تنكشف الأعماق، ويعرف العرب، ويعرف كثيرون فى العالم غيرهم أنهم داخلون فى المسار الضيق المؤسف، وليسوا فى ذرة من أمان، مصر العزيزة تعرف، والأردن يعرف، ولبنان يعرف، واليمن والعراق والصين وروسيا وكوريا، وإيران التى أطلقت قذائفها فعليًا على إسرائيل، بالأمس القريب، ردًا على قصف قنصليتها فى العاصمة السورية دمشق واستهداف ضباطها الكبار، كل دولة تعرف ما يراد بها، لكنها تنتظر إلى أن تنجلى المشاهد انجلاءها الأخير، وتتفهم خطورة الدعم الأمريكى والسند الأوروبى للكيان الغاصب المحتل.
بلادى تهمنى أبلغ اهتمام، والحديث عن اقتحام إسرائيل المزمع رفح الفلسطينية آخذ فى التصاعد، ورفح الفلسطينية تفضى إلى أختها المصرية، والحلم اليهودى بسيناء لم ينقطع منذ الأزل.. نحن لسنا بضعفاء ولا بائعى قضايا، كما يصفنا المرجفون البائسون، ومن ساروا على خطاهم من المارقين والخونة الذين ينتمون إلينا زورًا وبهتانًا، وليس مطلوبًا منا فى الحقيقة أن نبادر بإطلاق صاروخ باتجاه تل أبيب، هذا جنون فى وقت لا يجاهر فيه عدونا التاريخى أرضنا بعداوته الصريحة، وإن بقى جوارنا قلقًا.
إنما اليقظة هى المطلوبة فى هذه المرحلة الحساسة الدقيقة بالذات، اليقظة العسكرية والشعبية التامة، والاستعداد العظيم أن نفدى بلدنا يوم يتعين الفداء، وكم فديناها، ونظل نفديها عندما يقصد قاصد السوء إنسانها وحجرها وشجرها.
لعبة الحروب المهلكة تحتاج إلى كياسة مقدار ما تحتاج إلى إقدام، وإن أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية مهددة بالانحدار الكامل بل الانهيار الأكيد، لو أننا تخلينا عن كياستنا وقررنا المغامرة.. القلب مع فلسطين الحبيبة، والمناصرة الآن هى بالإمداد الغذائى والصحى والخدمى مما لا بد منه، والكلمة الحكيمة القوية الصادقة المنصفة، والسعى الدءوب إلى حل يخفف حدة الأزمة المتفاقمة إن لم ينهها بالكلية.
وإذا ما فكر الأعداء فى النفاذ إلى ديارنا ندموا؛ لأن المزاليج على أبوابنا لا تنكسر، ولدينا روادع تمنع بلوغها أساسًا.