عهد «الصّباح».. الوجه الآخر للحشاشين (1)
لاعهد لخائن، هكذا رد نظام الملك «علي الطوسي»، على صديقه الشاعر والفيلسوف «عمر الخيام»، أثناء حديثهما عن صديق دربهم، «حسن الصباح»، بعد أن قام «الطوسي» بحبسه في سجن الدولة السلجوقية بتهمة محاولة قتل الخليفة الفاطمي.
«العهد» هو ميثاق الشرفاء، وكلمة الأمان الضامنة للتعايش والمسالمة، والحرية والكرامة، تعلمنا وتربينا على ضرورة الحفاظ على العهد، لأنه لا كرامة بلا عهد ولا عهد بلا وفاء.
لكن هذه المرة، اختلفت المعايير، عندما التقى الأصدقاء الثلاثة، «حسن الصباح» و«عمر الخيام»، و«علي الطوسي»، تعاهدا منذ طفولتهما على مساعدتهم البعض في حالة إذا تقلد أي منهم منصب سيادي في الدولة، أقسما الأصدقاء، وتعاهدا على أن يساعد كلُ منهم أخاه، ويصيبه نفحة من ملكه إذا ذاع صيته أو أصبح صاحب جاه.
تدور الأيام، وسرعان ما يعتلي «الطوسي»، منصب نظام الملك، أو «وزير الدولة» في أكبر دولة في ذلك الزمان «الدولة السلجوقية»، وهنا يلجأ الصديقين الآخرين إلى الطوسي، ويطلبا منه تنفيذ العهد، ويمتثل الطوسي في تنفيذ عهده، ويتم تحديد لقاء مع السلطان، الذي يصدر أمر تعيين لهم.
مشهد تم تمثيله باقتدار، عبر عنه كريم عبد العزيز (حسن الصباح)، وفتحي عبد الوهاب (علي الطوسي) وصديقهم الثالث (عمر الخيام)، في مسلسل «الحشاشين»، تابعته كمشاهد، أحببت فعلة الأصدقاء ووفاءهم بالعهد، لازمني إحساس الفخر، ووصفته بالوفاء العظيم لأحلام الصبا.
لكنه وكالعادة، لايبقى شيئًا نقيًا للغاية، حتى العهود أصابها المس حتى أفسدها، نقض الصباح العهد رغم أنه المستفيد الأكبر، وبطبيعة النفوس الخبيثة دائمًا لاتستطيع أن تحيا في بيئة نقية، لما تمتلكه من منبع داخلي وغدر يظهر عند القدرة على التنفيذ عندما تستشعر وهن الآخرين.
نقض «حسن الصباح» عهده مع صديقه، نظام الملك، بعد أن عاهده على الحفاظ على نظام الدولة، وترك دعوته الباطنية التي تتعارض مع نظام السلطة والملك.
لكن بالطبيعة الخبيثة، عاش الصباح في جزيرته المعزولة، خطط، ودبر، لقلب نظام الحكم، ولنشر معتقداته، خطط شيطانه الذي استولى على عقله وغيبه تمامًا، حتى جعله عبدًا لأهوائه المريضة.
نقض العهد، هو الوجه الآخر للحشاشين، الجماعة الدموية، التي أسسها «حسن الصباح»، وجند فيها ضعفاء الإيمان، وأوهمهم أنه الوحيد الذي يحمل مفتاح الجنة، وأنه لاجنة بلا إتباعه، وأن الجحيم ينتظر من يخالفه أو يقف في طريقه.
إذا أردت أن تدخل جنة «الصبّاح»، فكن مواليًا خاضعًا له بالولاء، لأنه كلمة المرور لدخول الجنة.. فكر عقيم، عفن، أخرج لنا مخاضًا كبيرًا وأورثنا جماعات أعقبت هذا الفكر الضال، حتى رأينا أحدث تلك الجماعات المنبثقة عنه وهي جماعة الإخوان المسلمين، الذين ساروا على نهج «الصبّاح»، بفكرعفن عقيم، وولاء مطلق تام.
وهنا قد يسأل سائل: ماعلاقة «الحشاشين» بـ«جماعة الإخوان المسلمين»، أقول لك: أن أبناء الدماء تجمعهم راية واحدة، وعهد واحد، قوامه: الولاء المطلق والتنفيذ دون فكر أو شرط أو نقد، وهذا هو نهج ومنهج أنصار جماعة الإخوان المسلمين، الامتداد الحقيقي للحشاشين.
أما عن طبيعة الإخوان المسلمين، وتأثرهم بالحشاشين، وكيف استمدوا فكرهم، هذا ما سأذكره في مقال الغد، إن قدر الله لنا اللقاء.