سلام وتحية للأزهر
تاريخ طويل من الوسطية والفكر والإعتدال، قاده الأزهر الشريف عبر عصور مختلفة، أرسى معالم الحياه، وأوضح مقاصد الشريعة، لم يتبدل يومًا ولم يتحول، ظل شامخًا في قوامه، قويًا في اعتداله، صارمًا في أحكامه، هاديًا لقصاده، إنه الأزهر الشريف، الذي يحتفل العالم اليوم بمرور 1084 عامًا على تأسيس أعرق منارة علمية ودينية عرفتها البشرية.
كعبة العالم، ووجهته الدينية، كانت القاهرة على موعدِ مع السعادة عندما قرر الخليفة الفاطمي إنشاؤه على يد جوهر الصقلي، ليحمل اسم بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ـ السيدة فاطمة الزهراء، الذي سمي الأزهر باسمها.
هبة الله للعالم، فهو وسطيًا لم يتغير رغم تغيير العصور، ثابتًا محافظًا على وقاره، منذ أن تم إنشاؤه في 24 جمادى الأولى 359هـ/ 4 أبريل 970م أي بعد عام من تأسيس مدينة القاهرة. 27 شهرًا، المدة التي استغرقها بناء الأزهر الشريف، حيث افتُتِح للصلاة في يوم الجمعة 7 رمضان 361هـ الموافق 21 يونيه 972م، بدأ الأزهر الشريف في تدريس علوم اللغة والدين، انحصرت مناهجه في العلوم الدينية وفصاحة الكلمة وحسن البيان، حتى تطور الأزهر واكتسى بياضه بزينة العلوم الأخرى، فأدخل الطب، والهندسة، وغيرها من العلوم في مناهج دارسيه.
تاريخ كبير لهذا الصرح العريق من التأسيس حتى التتويج، منارة علمية ومكانة قوية استطاع الأزهر الذريف أن يحظى بها، لشرفه ومواقفه الوطنية النبيلة التي تتسق مع كيان الدولة وشرعية نظامها، لم ينخدع الأزهر يومًا ولم يندرج تحت عرق أو طائفة، لم يستحوذ عليه بشر، يظل ولاؤه فقط لتعاليمه وقواعده التي يعلمها لدارسيه.
جامعة علمية عتيقة، حملت رسالة الدين منفردة في عصور طغ فيها الظلام، وأزمنة كثر فيهال طيور الظلام، استحقت الجامعة المتطورة أن تكون مقصدًا لطلبة وعلماء العالم بأسره، استحق الأزهر الشريف، صاحب الجامع والجامعة أن يحظى باحترام كل الطوائف، واستحقت مصر أن ينصفها قيمة كبيرة تقام على أرضها ليكون الأزهر الشريف منارة مصر وقبلة العالم بأسره.
مسيرة حافلة من الدروس الدينية انطلقت من داخل أعمدة الأزهر وأروقته، حتى وصلت إلى مدرجات الكليات، فمابين عمود الأزهر ورواقه إلى كليات الأزهر وقاعاته، استحق الأزهر الشاب الذي يبلغ 1084 عامًا أن يبقى شابًا قويًا، يقصده أبناء الأقاليم والصعيد بل أبناء أوروبا أنفسهم.
رسالة إنسانية وإسلامية، حملها الأزهر من ضميرِ راسخ وفهم قاصدِ، تبناهما معًا، ولم ينحصر في علوم الدين، ولم تنحصر دعوته داخل أروقة الأزهر والمساجد، بل امتدت وعبرت المحيطات، حتى وصل صيته بلاد الهند، والصين، غازيًا كل القارات ومنتصرًا في كل المعارك.
إنه الأزهر يا سادة، الذي خرج علماء في الطب والهندسة والتاريخ، والصحافة والإعلام، طلابًا معتدلين، وسطيين دارسين المذاهب الفقهية الأربعة، لم يك إلا شوكة في حلق أعداء الدين، مٌعينًا للمحبين، محافظًا على تقاليده العريقة يسير في هدوء نحو معتقداته، لايتأثر بما يحدث في محيطه، لكنه يؤثر فيمن هم بمحيطه، حيٌ الله الأزهر الزاهر برجاله وعلماءه، وشيخه، وأعانه على مسؤليته ليستكمل مسيرة الألف عام.