ضد إسرائيل
يمكن تشبيه العلاقة بين مصر وإسرائيل بالصراع الدرامى متعدد الحلقات والمراحل، مصر أكبر دول المنطقة العربية، وأساس وجود الشرق الأوسط منذ آلاف السنين.. ثقل تاريخى وحضارى وعسكرى لا يمكن تجاهله ولا التقليل منه، وإسرائيل دولة أسسها يهود غربيون فى ظرف عالمى مضطرب وعقب حرب عالمية نُسب فيها للطرف المهزوم أنه كان يريد إبادة اليهود من العالم، بسبب اعتقاده بأنهم أساس كل الشرور.. صراع له مراحل متعددة، حربًا وسلامًا، صراع يدور بكل اللغات، الخشنة والناعمة، الحادة والباردة، الصامتة والصاخبة، القانونية فى ساحات المحاكم، والعسكرية فى ساحات الحرب.. ولا شك أن مرافعة مصر التاريخية ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية كانت جولة مهمة من جولات هذا الصراع الذى لا يهدف سوى لإقرار الحق وإيقاف العدوان.. سجلت مصر رسائلها للعالم من خلال مرافعة د. ياسمين موسى، ممثلة مصر أمام المحكمة، وكانت أولى هذه الرسائل أن استقرار الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بدولة فلسطينية.. والحقيقة أن سياسات الحكومات الإسرائيلية اليمينية والمتطرفة الاستيطانية لا تعارض فقط تأسيس الدولة الفلسطينية، لكنها تملأ الأراضى المحتلة بالمستوطنات والتوسع غير القانونى والمخالف للقانون الدولى، وقد كانت هذه ثانى رسائل مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية، وكأن مصر تقول إن ما يجعل بعض الفلسطينيين يشعرون باليأس، هو السعى الإسرائيلى الدائم لتغيير الواقع فى الأراضى المحتلة، وتغيير الحقائق الديموغرافية فى الأراضى المحتلة، وطرد السكان الفلسطينيين منها، واستبدالهم بمستوطنين يهود لم يولدوا فى فلسطين، وهو ما وصفته مصر بـ«زيادة الهيمنة اليهودية بشكل ممنهج».. فى كلمتها ذكّرت مصر العالم أن الاحتلال الإسرائيلى للأراضى المحتلة هو فى الأساس غير قانونى، ومخالف لقرارات الأمم المتحدة، خاصة القرار ٤٤٢، وأنه ليس سوى امتداد لسياسات الاستعمار القديم التى هجرها العالم وأقلع عنها منذ منتصف القرن الماضى، وقالت مصر إن استمرار الاحتلال كل هذه السنوات ليس سوى تحدٍ لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. كذّبت مصر أيضا ادعاء إسرائيل بأن عدوانها على غزة هو دفاع عن النفس، وقالت إنه ليس سوى جريمة إبادة جماعية فى حق ما يقرب من اثنين ونصف مليون فلسطينى من سكان غزة، ودللت على ذلك بأعداد الضحايا المهولة التى بلغت تسعة وعشرين ألفًا ونصف ألف شهيد، فضلًا عن عشرات الآلاف من المصابين خلال أسابيع متتالية من العدوان.. وإلى جانب تحدى الأمم المتحدة، واتباع سياسات استعمارية وارتكاب جرائم إبادة جماعية، اتهمت مصر إسرائيل بانتهاك حق تقرير المصير، وهو مبدأ عالمى أقرت به الأمم المتحدة منذ كانت تحمل اسم عصبة الأمم، ونال وفقه كثير من شعوب العالم حقوقه فى تقرير مصائره.. لكن إسرائيل تحرم الشعب الفلسطينى من تقرير مصيره، وتمارس ضده سياسات الفصل والتمييز العنصرى، فضلًا عن انتهاكات أخرى مثل مصادرة أراضى الفلسطينيين لحساب المستوطنين، والاعتقال القسرى للأهالى الذين يحتجون على مصادرة أراضيهم، وهو ما تنتج عنه حالة دائمة من الصدام فى الأراضى المحتلة قالت مصر إنها لن تنتهى إلا بتطبيق القانون الدولى، وحصول الفلسطينيين على الحق فى دولة مستقلة.. وهو ما ينهى سياسات العقاب الجماعى التى تمارس ضدهم منذ ٧٥ عامًا تم تتويجها بالعدوان على غزة، وارتكاب المجازر الجماعية فى حق أهلها، ومنع دخول المساعدات الإنسانية باستخدام القوة الجبرية، فضلًا عن التخطيط لاقتحام رفح، آخر المدن الغزاوية التى لجأ لها الأهالى هربًا من المجازر الإسرائيلية.. لقد سجلت مصر رأيها كاملًا فى سياسات إسرائيل وعدوانها أمام العالم، وقالت كلمتها للتاريخ، ليس فقط تسجيلًا لموقف، ولكن تنبيهًا للعالم لتبعات هذه الجرائم المستمرة، والانتهاكات المتتالية، والاستفزازات المتكررة، التى ترصدها مصر جميعًا ولسان حالها يقول.. للصبر حدود.