مصر وتركيا.. الوئام الذى سطع كالشمس!
طبيعي تمامًا أن يزور أردوغان مصر في هذا التوقيت الحساس للغاية؛ فحرب غزة مستعرة ومتطورة، لا أحد يعلم أتتسع فتشمل المنطقة والعالم، أم تظل محصورة في دائرتها المحددة، وإن كانت هذه المحدودية بذاتها صادمة ومقلقة، وهناك ملفات تستوجب الحوار والتنسيق كليبيا وسوريا بالذات، وروسيا وإيران ولبنان والعراق واليمن، كذلك ملف غاز المتوسط المتعلق به نزاع بين تركيا واليونان، وتستطيع مصر دائما أن تكون وسيطا إيجابيا بشأنه..
القطيعة الدبلوماسية بين مصر وتركيا، وقطيعة القادة منذ عام 2013، كان لا بد أن تنتهي في يوم من الأيام؛ فآفاق الربيع العربي التي أصبحت الآن أثرًا بعد عين، ولهذا حديث وافٍ خاص، لم تكن لتمتد أكثر فتلهي البلدين عن ضرورة تعاونهما، وعلى كل حال لم يتوقف التعاون الاقتصادي بين البلدين الكبيرين طوال سنوات الارتباك، بل تضاعف متجاوزًا المليارت الدولارية العشرة في السنة الماضية.
تقدر تركيا دور مصر، وتعرف ثقلها الإقليمي والدولي المميز، وأنها أسرع في النفاذ برأيها إلى ما تود النفاذ إليه، وأبلغ تأثيرًا بخصوص القضايا الملحة المؤرقة، وهذا قريب مما ترى مصر تركيا متصفة به.
القوة العسكرية لمصر وتركيا قوة هائلة جبارة، تقدر على إرهاب عدوهما الغادر المشترك وخصومهما المحتملين على وجه العموم (تحتل تركيا المرتبة الثامنة في التصنيف العالمي الأخير، ومصر الخامسة عشرة، في حين أن إسرائيل تأتي متأخرة عنهما إذ تحتل الرتبة السابعة عشر)، وأما الشعبان العريقان فتجمعهما أبعاد دينية وتاريخية وثقافية متجذرة فيهما، يستحيل تقريبا بلوغ أجزائها المتلاحمة وتفكيكها مهما توترت الأجواء!
نجحت الدولتان في ترسيم الحدود البحرية فيما بينهما دون خلاف، نجحتا من قبل، وهو مؤشر واضح على إمكانية نجاحهما في المواضيع الأخرى التي تستدعي جلوسهما وتفاهمهما واتفاقهما.
السياسة فن الممكن، كما يقال، وعلى هذا فأمورها متقلبة، ومن يحكم على العلاقات بين الدول من خلال فترات معينة، يكون الماء فيها ليس صافيا، فإنه متسرع ومخطئ؛ فالقصة متعددة القراءات دائمًا، وليست محسومة بقراءة واحدة.
المعارضة التركية كانت ضاغطة سرمديا باتجاه ضرورة التقاء أنقرة بالقاهرة، وكانت ترى في فراق العاصمتين خسارة فادحة على كافة المستويات، والآن يقول الدكتور بشير عبدالفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: "كانت العلاقات بين مصر وتركيا، خلال سنوات القطيعة، تقوم على مبدأ: أنا أو أنت"، ويردف: "تحولت العلاقات الآن بين البلدين، بعد طي الصفحة الماضية، إلى إدارة المنافسة بينهما على أساس الفوز المشترك، وتقاسم المكاسب والغنائم في كل الملفات تقريبًا".
لا أريد الخوض فيما فات تفصيليا هنا (يكفي ما جرى وعطل اتحادنا وتقدمنا)، إنما أريد النظر إلى الآفاق المستقبلية، متطلعًا إلى حقبة جديدة مغايرة ونافعة، يكون الترابط حاكمها، والثقة المتبادلة، والبناء على نقاط لا ريب فيها ولا شبهات، والشعور بخطر التشتت والتشرذم والمناوشات السياسية والإعلامية البائسة.
هذه الزيارة في توقيتها المضبوط بالفعل، هكذا الظن، لم نكن كما نحن الآن في الزيارتين البعيدتين السابقتين، ولم يكن أردوغان هو أردوغان، لا منصبه الرفيع الحالي ولا تحولات رؤاه المنظورة، أهلًا به في بلدنا المحوري الكريم الطيب.