الحرب والسلام
بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» فقد أخبرت مصر إسرائيل بأن الهجوم على رفح يعنى نهاية معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.. بينما أفادت تقارير صحفية أخرى بأن مصر قررت إدخال المساعدات إلى غزة دون الالتزام بالتفتيش الإسرائيلى لها.. التفتيش كان مبرره اعتقاد إسرائيل أن المساعدات المصرية تتضمن أسلحة ومواد تساعد أهل غزة على الصمود فى وجه العدوان، وهو ادعاء لم تستطع إسرائيل إثباته وربما لن تستطيع للأبد.. العلاقة بين مصر وإسرائيل منذ اتفاق كامب ديفيد بكل تأكيد ليست علاقة حرب.. لكنها بكل تأكيد ليست علاقة سلام! إنها علاقة مركبة تتوقف مكونات الحرب والسلام فيها على تصرفات الجانب الإسرائيلى ومواقفه تجاه الحق العربى والفلسطينى.. كلما زاد تطرف حكومة إسرائيل زادت مكونات الحرب فى العلاقة.. وكلما زاد اعتدال حكومة إسرائيل زادت مكونات السلام فى العلاقة- وهذا لم يحدث منذ زمن طويل-.. هذه العلاقة المركبة مع إسرائيل تديرها مؤسسات الدولة المصرية بأعلى قدر من الاحترافية منذ سنوات طويلة وتتوارث الخبرات فيها جيلًا بعد جيل.. هذه الاحترافية فى خدمة الأمن القومى المصرى تبدو عصية على إفهام الإرهابيين وأنصاف المتعلمين من الهاربين للخارج.. والذين لا يجيدون سوى الشعارات الفارغة.. أو بث الكراهية على أساس دينى.. أو المزايدة على الدولة المصرية أيًا كان الموقف الذى تتخذه ومهما كانت درجة وضوحه واتساقه مع ثوابت الوطنية المصرية.. السذاجة التى يتحلى بها الهاربون للخارج تجعلهم لا يفهمون آلية عمل الدولة المصرية خاصة، وآليات العمل السياسى بشكل عام.. حيث يتشابه عمل قائد الدولة مع عمل المايسترو الذى ينظم حركة الآلات الموسيقية ضمن لحن واحد متناغم.. ففى وقت من الأوقات لا بد أن تتصاعد أصوات الآلات النحاسية العالية وفى وقت آخر لا بد أن تدخل الآلات الوترية، وفى مرحلة معينة من اللحن لا بد أن نسمع صوت آلات الإيقاع أو «طبول الحرب».. إن كل هذه الآلات تعزف لحنًا واحدًا هو رؤية الدولة السياسية ولكن كل آلة منها تعبر عن النغمات بطريقتها ووفق دورها.. والقائد السياسى والعسكرى هنا هو «المايسترو» الذى يشير بعصاه لتعزف هذه الآلة.. ويشير بيده لتسكت تلك الآلة.. فى مرحلة من المراحل قد يكون العمل السياسى هو الأكثر نجاعة.. لذلك يعمل المختصون بالملف السياسى.. وفى مرحلة أخرى قد يكون العمل المخابراتى هو الحل.. فيصدر القائد أمره بالعمل.. وفى مرحلة ثالثة قد يكون العمل العسكرى هو الحل الأخير فيصدر المايسترو أمره للقوات بالتقدم.. هذه المسارات لا تَعارض بينها وهو أمر يعرفه أى طالب فى الفرقة الأولى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. العاملون فى كل ملف يتحمسون لخدمة بلدهم وفق المهارات التى يتقنها كل منهم.. من الطبيعى جدًا أن يتحمس السياسيون للحل السياسى وأن يتحمس المفاوضون البارعون للتفاوض وأن يتحمس العسكريون للحرب.. ولو لم يفعلوا ذلك لشعرنا بأن هناك شيئًا خاطئًا.. ومن الجميل جدًا أن يشعر العدو بأن أبناء الجيش المصرى يتوقون للحرب إذا تم المساس بالحدود المصرية أو دفع الفلسطينيين لاقتحام سيناء.. إن ذلك يلقى الرعب فى قلب العدو.. ويجعله يحسب خطواته جيدًا ويفكر كثيرًا جدًا قبل ارتكاب أى حماقة.. أما البلهاء الذين يشعرون بأنهم حصلوا على «تسريب» ما من الكواليس.. فربما كانوا أدوات بطريقة ما لإيصال رسالة للعدو.. ويمنعهم غباؤهم من إدراك ذلك.. وهذا هو الفارق بين طريقة عمل الدول وطريقة عمل عصابات الإرهاب.. فارق كبير.. أليس كذلك؟!