دعوة للمراجعة
أكبر خطأ نرتكبه فى لحظات الأزمة أن ننقسم إلى فريقين، فريق لا يرى سوى الأزمة دون إمكانات حلها، فيملأ الدنيا سوادًا وبكاءً، وفريق ينكر الأزمة، ويتصرف وكأنه ليست هناك أزمة.. فيزيد الأمور تعقيدًا ويستفز الآملين فى حلول للإصلاح، ويحبط من يراهنون على غدٍ أفضل.. فى الصورة الكلية نحن نعانى من أزمة حادة فى توفير العملة الصعبة نتيجة تطورات عدة متلاحقة خارجية وداخلية، ولكن مصر أيضًا فى الحساب النهائى هى أكبر الدول الإفريقية من حيث حجم الاقتصاد، وأكبر الدول العربية من حيث حجم السكان والقدرة على تشكيل سوق لأى منتج، ثم هى صاحبة أكبر قوة عسكرية عربية وبفارق كبير عما يليها، وهذه كلها حقائق على الأرض يمكن توظيفها للخروج من الأزمة إذا تم التعاطى معها من قبل حكومة تستطيع توظيف عناصر القوة وتحويلها إلى أسهم فى بورصة الاقتصاد والاستثمار.. من عناصر القوة الداخلية أيضًا حالتا الاستقرار السياسى والأمنى الكبيرتان، وأننا فى بداية فترة رئاسية جديدة احتشدت فيها الأغلبية لتختار الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيسًا لفترة جديدة، وهو ما يعنى أن لدينا جبهة داخلية موحدة وقوية ومستقرة.. لكن ذلك لا يعنى أن الصورة وردية، أو أنه ليست لدينا مشكلات.. على العكس تمامًا.. إن أكبر مشكلة تواجهنا هى أداء بعض وزراء الحكومة، حيث أظن أن بعضهم مصاب بمرض شهير هو مرض «الإنكار السياسى» فى الطب النفسى.. يرفض المريض المصاب بمرض الإنكار الاعتراف بالواقع، إذا كان يعانى من الاكتئاب يقول للطبيب إنه مبتهج وسعيد وقوى.. فى حين أن حياته مدمرة تمامًا بسبب المرض الذى أصابه، مشكلة المصاب بمرض الإنكار أنه يرفض تناول الدواء الذى يساعده على الشفاء.. فتزداد حالته سوءًا وتدهورًا حتى يشرف على الموت أو الجنون الكامل.. وهذا ما لا نريده أبدًا.. الحكومة لدينا مصابة بمرض الإنكار.. وأكبر دليل أنها تتصرف كما لو أنه ليست هناك أزمة، وتعلن عن البدء فى مشاريع جديدة دون أن تقول لنا: من أين سيتم تمويل هذه المشاريع، ودون أن تأخذ فى اعتبارها أن هذا قد يستفز الشارع، أنا شخصيًا من أشد أنصار المشاريع الكبرى والقومية ولكن بطريقة الخطوة خطوة، نحن مثلًا بنينا المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية، وأثناء البناء تغيرت ظروف العالم، وحدث ما نعرفه جميعًا، لذلك يجب أن نحصد أرباح المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية أولًا بالكامل قبل أن نشرع فى المرحلة الثانية، ويجب أن نجعل الرأى العام شريكًا فى الحقائق حتى لا يسىء أحد استغلال الأزمة الاقتصادية فى تسخين الناس، أو الادعاء بأن المشروعات هى السبب الرئيسى فى الأزمة، وهذا مجرد مثال أذكره دون أن أدعى أن لدىّ تفاصيل كاملة.. ولكنى أتحدث عن ما أراه مستفزًا للرأى العام.. وهناك مثال آخر هو موضوع إعادة تكسية هرم منقرع بحجارة الجرانيت.. إنه موضوع فنى.. يقوم به مسئول عن الآثار.. ولكن كل ما يتعلق بالآثار أمر فى غاية الحساسية أولًا، ثانيًا لم يعرف الرأى العام كم يتكلف هذا المشروع؟ وما هى أهميته؟ ولماذا نُقدم عليه وعائدات السياحة تحديدًا فى تراجع بسبب أحداث غزة، وهل هذا المشروع من الأولويات أم أنه من الأفضل بناء فندق جديد مثلًا يسترعى الريادة التى نطمح إليها فى أعداد السياح، ولماذا تباطؤ الحكومة فى إنجاز مشروعات أثرية يؤيدها الجميع مثل مسار العائلة المقدسة ومزارات آل البيت وتشرع فى تنفيذ مشروع يثير قلق الجميع.. هذه كلها أمور تستدعى المناقشة فى مجلس النواب ومن خلال وسائل الإعلام حتى يتأكد الجميع أن الحكومة ليست مصابة بمرض الإنكار أو تقوم بتجاهل الرأى العام والتعالى عليه.. وهذه مشكلة أخرى لا تقل إطلاقًا عن مرض الإنكار.