قرى التصدير.. والإهمال المبين!
حبى الله مصر برجالها ونسائها الشرفاء ممن يعملون ليل نهار من أجل توفير قوت يومهم، فأبدعوا وأجادوا صنعتهم، فكانت النتيجة خلق الآلاف من فرص العمل فى عشرات القرى المصرية التى تفوقت عن مثيلاتها فى العالم، فغزت منتجاتها الأسواق العالمية من الشرق للغرب.
عندنا فى مصر قرى لا تعرف الفقر ولا أسبابه ولا أشكاله، فلا بطالة ولا عنوسة ولا غارمين ولا متسولين.
تلك القرى حلت مشاكلها بأيديها، تحولت بيوتهم إلى ورش ومعامل ومصانع، وقرى أخرى تعمل فى الصيد والتجارة، فتحولت بيوتهم إلى خلايا نحل لا تعرف الكسل.
خرجت تلك القرى- إلى الأبد- من بيانات القرى الأكثر فقرًا، ودعت الفقر ودعمت الاقتصاد بالتصدير والمنافسة العالمية، اعتمد أهالى تلك القرى على صنعتهم ومهارتهم، فكانت «بنبان» القرية الأسوانية التى غزت العالم بمحصول الطماطم المجففة، فاشتهرت البيتزا الإيطالية بطماطم بنبان، وكانت «جزيرة شندويل» السوهاجية التى أبهرت العالم بتطريز الخيوط الفضية والذهبية على يد نسائها.
ولنا أن نفخر بقرية «طنامل» التابعة لمركز أجا بالدقهلية، والتى تشتهر بصناعة التريكو وهى المصدر الرئيسى للعديد من فرص العمل لأبناء القرية والقرى المجاورة.
وكانت قرية «جردو» بالفيوم التى تشتهر بزراعة وتصدير الملوخية والنباتات الطبية والعطرية إلى دول روسيا وألمانيا وأسبانيا وأمريكا وبولندا والسعودية ودبى والأردن، وقرية أبوكساه بمركز أبشواى المعروفة بتصنيع الأثات الخشبى والمعدني.
وقرية «جراجوس» فى مركز قوص بمحافظة قنا، ونالت شهرتها العالمية لوجود مصنع خزف يعد قلعة من قلاع صناعة الخزف اليدوى فى العالم، واشتهر بصناعة أطقم الشاى والقهوة وطواجن ومغارات عيد الميلاد وأطباق الأكل والسرفيس والتماثيل التى تمثل البيئة المصرية التى غزت العالم، ويعود تاريخ إنشاء مصنع خزف جراجوس إلى الخمسينيات من القرن الماضى على يد المهندس المعمارى حسن فتحى صاحب نظرية عمارة الفقراء، ضمن مجموعة مبان أقامتها الكنيسة الكاثوليكية، بفكرة من الأب الفرنسى «أسطفيان دى مونجولوفييه» الذى لقب بعاشق «جراجوس».
وتضم مدينة «أشمون» بالمنوفية أكبر تجمع للحرف والصناعات اليدوية، مثل قرية «ساقية أبوشعرة» التى عُرفت بصناعة السجاد والكليم من الصوف والحرير، وتحتل «ساقية أبوشعيرة» المرتبة الثانية عالميًا فى إنتاج السجاد اليدوى ذى الكفاءة العالية، بل ونجحت فى منافسة السجاد التركى والإيرانى محليًا ودوليًا، وتتزين القصور والمتاحف العالمية بمنتجات ساقية أبوشعيرة، وغيرها الكثير من قرى مصر المنتشرة من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها التى غزت منتجاتها أسواق الغرب والشرق ومن أهمها قرية «البرشا» التابعة لمدينة «ملوى» بالمنيا والتى تشتهر بإنتاج الجبن الأبيض ومنتجات الألبان وتصدرها أولًا لمحافظات مصر، خاصة الصعيد، ومعروفة بجبنة «ملوى» وتغزو أيضًا الأسواق العالمية ولا تنافسها فى الأسواق المصرية إلا الجبن الدمياطى الشهير.
وكانت الصدمة فى تقرير مصور بثته الفضائية المصرية عن قرية البرشا وقد تحولت بيوت القرية إلى مصانع صغيرة يعمل بها الشباب والنساء والرجال، فتحولت البيوت إلى معامل أجبان ومصانع صغيرة، أما الصدمة فكانت فى البيئة العامة للقرية حيث لا وجود لأى مظاهر للتحضر بالقرية، فلا شارع واحد تم رصفه، ولا تحديث لمنزل ولا معمل ولا مزارع نموذجية ولا حتى زرايب للمواشى تحافظ على البيئة، بل إن عدسات الفضائية المصرية نقلت - والصورة لا تكذب - أماكن حلب الألبان وصناعتها فى أماكن لا ترقى ولا تليق باسم القرية ومنتجها العالمي، بما يمكن وصفه أنه إهمال جسيم وغير مبرر من السادة المحافظين.
الدولة من ناحيتها ممثلة فى وزارة التنمية المحلية تبنت دعم العديد من تلك القرى ضمن مشروع يسمى «قرية منتجة ومحافظة مصدرة»، ومبادرات أخرى تحت مسمى القرى المنتجة، وتتضمن برامج للتدريب والدعم لأبناء تلك القرى مع تنفيذ بعض برامج مبادرة حياة كريمة.
لكن ولأهمية تلك القرى ودورها فى دعم الصادرات المصرية- وما أحوجنا للتصدير- وتوفير فرص عمل لشبابنا، فكان من الواجب أن تعامل بشكل خاص ومميز عن غيرها من القرى المصرية.
فلا بد من خلق المناخ المناسب الذى يساعد فى تحسين منتجاتها وتسهيل تصديره، والبداية لا بد من رفع كفاءة كل المرافق من صرف صحى ومياه وكهرباء وطرق وقبلهم الإنترنت كوسيلة مهمة لمخاطبة العالم الخارجي.