معنا وعلينا
فى أحد مشاهد مسلسل «الشهد والدموع» يسأل بطل المسلسل الشرير صديقه الأكثر شرًا عن موقف إحدى الشخصيات منهما قائلًا «ده معانا ولا علينا»، فيرد الصديق الشرير بلهجة ذات مغزى «معانا وعلينا»!! وأظن أن هذه العبارة القصيرة تصلح مدخلًا لفهم السياسة فى العالم اليوم بشكل عام، وفى إقليم الشرق الأوسط بشكل خاص، فالكثير من الدول حول مصر ينطبق عليها ذلك الوصف المكثف، فهى «معنا وعلينا» فى نفس الوقت.. يأتى بعض العرب إلى مصر ويقولون كلامًا طيبًا ويصرحون تصريحات رائعة، ثم تقول لنا الحقائق القادمة من إثيوبيا مثلًا إنهم «علينا وليسوا معنا»، ويقول بعضهم كلامًا جميلًا ثم تقول لنا الحقائق القادمة من السودان إنهم «علينا» بكل ما أوتوا من قوة، وليسوا معنا على الإطلاق.. المشهد متداخل ومصر تتعامل بحكمة وصبر لأن الأوضاع تجعل البعض «معنا وعلينا» حتى دون تعمد للشر.. الحوثيون مثلًا.. هم عرب يقومون بأنشطة احتجاجًا على تدمير غزة وإبادة شعبها، وهم فى هذا «معنا» بشكل ما، ولكن نشاطهم يمكن أن يؤدى لتراجع عائدات قناة السويس على المدى الطويل، لذلك هم أيضًا «علينا» بصورة ما.. انظر إلى إسرائيل مثلًا هذه دولة «علينا» طوال الوقت، لكن لجان الجماعة الإرهابية وعملاءها يدعون طوال الوقت أن إسرائيل «معنا»، والحقيقة أنه لا إسرائيل معنا ولا نحن معها، وحكومة نتنياهو تحاول طوال الوقت الإيحاء بأن مصر تساند تنظيم حماس وتساعده بالمال والسلاح، والغالب أن هذا يحدث لتبرير الفشل الإسرائيلى فى توقع ضربة حماس، أو حتى فى القضاء على قياداتها، آخر ما نشرته الصحف الإسرائيلية تقارير للموساد تتحدث عن ممول سودانى لتنظيم حماس، رجل أعمال كان مرتبطًا بنظام عمر البشير ويعمل فى استخلاص الذهب، ليس لمصر علاقة بالأمر كما يبدو، رجل سودانى يمول تنظيمًا فلسطينيًا..! لكن إسرائيل تقول إن الرجل يقيم فى القاهرة منذ سقوط نظام البشير، وإنه شريك للحكومة المصرية فى نشاط يتعلق باستخراج الذهب.. وإنه يقوم بتمويل حماس عبر شبكة تعاملات معقدة، وهذه كلها أمور من الصعب جدًا إثباتها، وافتراضات لا حقائق، واتهامات بلا أدلة، وأقوال مرسلة فى بعض الصحف تحتاج لمن يثبت صحتها، أمريكا أيضًا من الدول التى تفضل أن تكون «علينا» دائمًا، لكنها تكون «معنا» حين تضطرها الظروف، وحين تدرك أن دور مصر فى المنطقة لا غنى عنه ولا بديل له، وقتها فقط تكون أمريكا «معنا» وتنتظر الفرصة التى تكون فيها «علينا» مرة أخرى.. فى وسط هذا العالم اللا أخلاقى والمتحول والذى يعيد إنتاج أخلاق الغابة بانحطاط أكثر من انحطاط الحيوانات المفترسة التى لم يعرف عن كثير منها الشر والخداع، فى وسط عالم كل من فيه «معنا وعلينا».. فى نفس الوقت من المهم أن نكون نحن «مع» أنفسنا، أن يكون المصرى مع المصرى لا عليه.. يدًا بيد وكتفًا بكتف.. وقتها فقط نستطيع أن ننتصر على الذين معنا وعلينا فى نفس الوقت.