الكنيسة: وصية المسيح "مَن لطمك على خدك" لا تعنى عدم الدفاع عن الوطن والنفس
قال الأنبا نيقولا أنطونيو، متحدث كنيسة الروم الأرثوذكس، في تصريح له، إنه عندما قال المسيح في الموعظة على الجبل "لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا"، لم يقصد بهذا القول قبول الشر وعدم مقاومته، بل قصد إن فُرض علينا الشر ألا نقاومه بفعل شر، أي مقاومة الشر بالشر، كذلك لم يقصد بهذا القول أن تكون جبانًا إن اعتدى عليك أحد، وألا تدافع عن كرامتك وعن نفسك وعن عِرضك.
السعي للمسالمة
وتابع متحدث كنيسة الروم الأرثوذكس: بهذا القول قصد أن تسعى قدر الإمكان للمسالمة، بأن تأخذ حقك بالقانون وليس بالتحايل والقوة والصدام، فيسوع نفسه عندما لطمه أحد خدام كهنة الهيكل قال له: "إنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي". وكذلك بولس الرسول ليدفع عنه الاعتداء طلب برفع أمره إلى قيصر.
وأضاف: أما إن فُرض عليك الدفاع عن النفس والعِرْض وما تملكه، فيجب عليك أن تقاوم الاعتداء الآتي عليك. إن القيام بالدفاع عن النفس قد تنتج منه نتيجتان، الأولى هي حفاظ الإنسان على حياته، والثانية موت المعتدي. في الحالة الثانية، مَن يدافع عن حياته ليس مذنبًا بقتل إنسان، إذا لم يُمارس في الدفاع عنفًا يزيد عن الضروري.
الدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء يتعرض له واجب على كل شخص
وقال الأنبا نيقولا أنطونيو: كما أن الدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء يتعرض له واجب على كل شخص، حفاظًا على أمنه وأرضه ومقدراته؛ لأن المسيحية تؤمن إيمانًا راسخًا بالوطن، وتعتبر محبة الوطن فضيلة تتصل بمحبة تقوى الله، فمن أخلص لله أخلص لأسرته، ومن أخلص لأسرته أخلص لأقربائه ولجيرانه ولأبناء قريته أو مدينته، ثم تتسع دائرة إخلاصه فتشمل بلاده التي هي امتداد لأسرته.
وتابع: فالدفاع عن الوطن لا يعني أننا نتنازل عما يمليه علينا إيماننا بالمسيح، وعما تفرضه علينا أخلاقنا. فكثير من القديسين والشهداء كانوا قادة وجنودًا دافعوا عن وطنهم عندما تعرض للاعتداء، كما أن القديس "بائيسيوس الآثوسيِّ" خدمَ في الجندية خمس سنوات.
لكن هل يعتبر الجندي المسيحي المؤمن، إذا قضى، قديسًا؟ هذا رهن لا بموته ولا بكونه مؤمنًا، بالمعنى العام للكلمة، بل بحس قلبه وبمكنونات ضميره، إذا كان ضميره حيًّا. وحده الله يعرف، أكثر الأحيان، أي نوع من المؤمن هو، حتى لو بقي مجهولًا للناس.
قديمًا، عندما كان الجنود المسيحيون يعودون من الحرب، فإنهم كانوا يؤدون اعترافًا دقيقًا بما حصل لهم، ويُفرض عليهم قانون للتوبة مُعيّنًا، ليس لأن ما فعله كان غير مقبول، بل لكي تعيده الكنيسة إلى الحياة الطبيعية، وتحرره من العادات التي اكتسبَها في الحرب، حفظًا لسلامة وجدانه ونقاوة ضميره.
في كل حال، الحرب بالنسبة للمؤمنين وضع استثنائي لا يجوز أن يتحول إلى نمط حياة، حتى لا يصير الإنسان وحشًا. الأهم ألا ننسى تعاليم الرب يسوع في إنجيله والالتزام بها والعيش تحت يديه برفقة جماعة روحية مُصَلِّية.