رسالة من الرئيس
كلمة الرئيس فى افتتاح ملتقى الصناعة الثانى احتوت على عدد من الرسائل المهمة فى توقيت بالغ الأهمية.. ولعل أولى هذه الرسائل أن علينا أن نستمر فى بناء بلدنا لأن القوة التى نستطيع أن نواجه بها تحدياتنا ليست قوة عسكرية فقط وإنما قوة اقتصادية فى المقام الأول، ويمكن القول إن قوة أى بلد فى مواجهة أعدائه هى قوة شاملة ذات عناصر اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية وحضارية بشكلٍ أعم، وبالتالى فإن علينا أن نواصل العمل الجاد لبناء قوتنا التى نقتنع جميعًا بأهمية الحفاظ عليها وبناء المزيد من مقوماتها يومًا بعد يوم.. ولعل ثانى هذه الرسائل غير المنطوقة فى افتتاح ملتقى الصناعة أن هناك فرقًا بين أن تستجيب الدولة المصرية لقواعد «الأصول» التى تربى عليها المصريون فتلغى المناسبات ذات الطابع الكرنفالى، مثل مهرجان الموسيقى العربية ومهرجان القاهرة السينمائى، وبين مواصلة العمل فى المجالات الصناعية والاقتصادية والتنموية المختلفة، حيث لا يمكن لمسيرة العمل أن تتعطل مهما كان حجم التعاطف والتضامن والتأثر الحقيقى للمصريين من الأوضاع فى غزة.. أما الرسائل المباشرة من الرئيس فقد بدت واضحة ومحددة، ولعل أولاها كانت الرسائل التى أرسلها الرئيس من خلال نبرة صوته وطريقة حديثه الهادئة ولغة جسده الواثقة.. وهى رسالة تقول للمصريين: لا شىء يدعو للقلق.. هذا المعنى كرره الرئيس مرة أخرى فى حديثه المباشر حول أننا أمام مجموعة من المتغيرات الإيجابية أولها قرار الأمم المتحدة الداعى إلى وقف إطلاق النيران والتهدئة، وهو قرار كان لمصر مع المجموعة العربية دور كبير فى صياغته والوصول إليه.. ورغم أنه قرار غير ملزم إلا أنه ينزع الشرعية الدولية عن القصف الإسرائيلى للمدنيين فى غزة والجرائم التى تنتج عنه.. وثانى هذه الرسائل المباشرة أن مصر تؤدى دورها على مدار الثانية على عكس ما يظن غلمان اللجان الإلكترونية، وهناك وساطات ترعاها مصر للإفراج عن الرهائن مقابل إدخال المساعدات أولًا والتهدئة الشاملة ثانيًا.. أما ثالث رسائل الرئيس المباشرة فهى أن مصر دولة «لا تُمس»، ولسان حال الرئيس أن مصر تتفهم التوترات الإقليمية فى المنطقة وتحذر من اتساع نطاق الصراع ودخول أطراف أخرى فيه حتى لا تتفجر المنطقة كلها، ومع هذا التفهم فإن مصر تحذر من تكرار هذه الأخطاء غير المقصودة مرة أخرى وفقًا لقاعدة أن السابقة الأولى لا تحتسب.. لكن تكرار الأخطاء سيكون له حساب مختلف وفق السياق والظروف.. أما رابع رسائل الرئيس فهى أن الوضع المأزوم فى غزة سيمتد لفترة طويلة وأن الحياة لا يمكن أن تتوقف خلالها.. فنحن إزاء صراع عمره يقرب من المئة عام.. مر بمراحل مختلفة وتعقيدات متشابكة وأوضاع ملتهبة، وقدمت مصر فيه كل ما تستطيع فى الحرب والسلم وما زالت تقدم حتى الآن من خلال جهود الوساطة والمساعدات الإنسانية والدعم السياسى والتفاوض حول التهدئة التى تحفظ أرواح الفلسطينيين.. وهذه كلها حقائق يجدر بكل وطنى مصرى وضعها فى عين من يُزايد على مصر وشعبها ودولتها.. وبالتالى فإن علينا أن نخفف عن أنفسنا الضغط والإحساس بالذنب، وهو إحساس سببه الطبيعة الإنسانية لغالبية المصريين وليس تقصير أى مصرى تجاه فلسطين، بدءًا من الرئيس الذى التحق بالمدرسة الحربية هو وجيله طلبًا للثأر من إسرائيل بعد النكسة وحتى ملايين الأسر التى قدمت شهداء ومصابين ومقاتلين فى أربع حروب متتالية مع إسرائيل.. وبالتالى فإن علينا أن نواصل العمل واثقين فى الله وفى أنفسنا وفى دولتنا رافعين شعار: إن الحياة يجب أن تستمر وإن العمل يجب أن يستمر.. والله أعلى وأعلم.