ممر آمن إلى أمريكا!
يومًا بعد يوم يتضح صدق ما صارح به الرئيس الشعب المصرى منذ اليوم الأول لتوليه.. فالمنطقة تخضع لعملية فك وتركيب معقدة منذ يناير ٢٠١١، والهدف الأساسى كما تكشف الأيام هو ضمان أمن إسرائيل.. فى الحلقة الجديدة من محاولات الفك والتركيب نرى إسرائيل تحاول ارتكاب «جريمة حرب».. هكذا وصفتها الأمم المتحدة على الأقل.. إنها تحاول إجبار أهل غزة على عمليات نزوح جماعى خارج القطاع خلال ساعات قليلة، وتساعدها فى ذلك ضغوط أمريكية قوية.. استشعرت أمريكا القلق على وجود إسرائيل فأعلنت الاستنفار وقررت أن تضغط بأقصى قوة.. وقد قالت مصر كلمتها واضحة وأعلنت أنها لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية من خلال طرد أهل غزة من أرضهم إلى سيناء، التى هى أيضًا أرض مصرية رواها المصريون بدمائهم.. الحقيقة أنه إذا كانت القضايا تُُحل بإجلاء السكان من أراضيهم لوجب أن يسافر الإسرائيليون إلى أوروبا وأمريكا ليقيموا هناك إلى الأبد.. ما دام مغادرة الإنسان للأرض التى ولد فيها أمرًا بهذه السهولة.. وإذا تمنع الإسرائيليون عن السفر إلى أمريكا الأم الحنون لهم فيمكن للأمريكان أن يعرضوا الأمر على أهل غزة.. إن أمريكا هى أعظم اقتصاد فى العالم وعدد سكانها يفوق ٣٥٠ مليون نسمة.. ولن يكون صعبًا عليها استضافة ٢ مليون غزاوى عبر جسر جوى طائر ينتهى من المهمة فى أسابيع قليلة! يمكن لأمريكا أن تطلب من الدول العربية الثرية أن تمول هذا الجسر الجوى الطائر بين غزة وأمريكا خدمة لها.. ويمكن لطائرات حلف الناتو الحربية أن تعمل فى نقل أهالى غزة لأمريكا على مدار الساعة.. إن أمريكا هى «زعيمة العالم الحر»، كما تسمى نفسها، وتستطيع إذا أرادت أن تفعل.. يمكنها أن تجند طائرات العالم كله العسكرية والمدنية لإجلاء أهل غزة لنيويورك وواشنطن والانتهاء من المهمة خلال أيام.. إذا كان الأمر بهذه السهولة فلماذا لا تفعلها أمريكا؟؟!! الحقيقة التى يتجاهلها وزير خارجية أمريكا وغيره أن اقتلاع الإنسان من أرضه هو أصعب شىء يمكن فعله وهو يساوى الموت.. لذلك لا يمكن لأمريكا ولا لغيرها أن تنفذ هذه المهمة التى عرضت لها بطريقة ساخرة.. وأول أسباب فشل هذه المهمة هو أن أهل غزة سيرفضون أن يغادروا أرضهم حتى لو ماتوا فيها.. أما إذا كان منهم من يقتنع بأن إسرائيل تطلب منهم المغادرة «لأسباب إنسانية» و«بشكل مؤقت» فأنا أقترح عليهم أن يطلبوا من الولايات المتحدة أن تتصدى لمهمة استضافتهم على أرضها، خاصة وهى تملك الإمكانات المادية اللازمة لذلك، ويمكنها أن تضغط على حليفتها إسرائيل لمنح أهل غزة الوقت الكافى للانتقال لـ«ماما أمريكا» عبر ذلك الجسر الجوى العملاق، الذى ستجند أمريكا الأصدقاء والحلفاء والأساطيل لإقامته والانتهاء من المهمة فى أسرع وقت ممكن.. لقد صعد الأمريكان القمر وهبطوا على سطح الكواكب وحصلوا على عينات من تربة المريخ.. وليس صعبًا عليهم على الإطلاق نقل ٢ مليون إنسان إلى الخمسين ولاية أمريكية تلبية لطلب إسرائيل، التى تريد أن تبيد قطاع غزة من على وجه الأرض، وأن تقلب «عاليه واطيه» حفاظًا على صورة إسرائيل القوية.. التى قادها التشدد والتطرف العنصرى ورفض الحل السلمى لمهاوٍ سحيقة من الإهانة لم تكن تتخيل أن تدخل فيها.. أقترح على الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية أن تطرح حل «ممر آمن إلى أمريكا» على وزير الخارجية الأمريكى بلينكن، الذى جاء إلى المنطقة كيهودى كما قال.. فإذا لم يجد بلينكن أن هذا الحل مناسب- وهو غير مناسب لأهل غزة بالطبع- فإن عليه أن يتوقف عن مطالبة دول المنطقة بتهجير أهالى غزة إلى أراضيها بحثًا عن حل مريح يشرعن الاحتلال الإسرائيلى ويجعله أمرًا واقعًا للأسف الشديد.. أما هنا فى مصر.. القابضة على جمر القضية وجمر الوطنية المصرية، فإن كل مزايد على موقف مصر فى هذه اللحظة ليس سوى جاسوس حقير وطابور خامس يتنكر فى ثوب مواطن، أو فى أفضل الأحوال جاهل ينبغى له أن يغلق فمه حتى يتعلم ويدرس تاريخ الصراع وحقائق القضية وجوهر ما قدمته مصر وما زالت تقدمه حتى الآن.. حمى الله مصر وجيشها وشعبها وعروبتها.. وليذهب المزايدون إلى مزبلة التاريخ حيث هذا مكانهم الطبيعى ولا مزيد.