السلام عليكم أيها الشهداء
كان الشهيد العظيم مارجرجس متأبطًا ذراع الإمام الحسين بن علي، على الضفة الغربية من قناة السويس، يوم السادس من أكتوبر عام 1973، في جولة لم تخلُ من الأسى على تدنيس رمال سيناء المقدسة بأحذية جنود الشيطان الصهيونية.
قال الحسين وهو يناول مارجرجس بعض الماء ليشرب في هذا الحر الشديد: تُرى متى يعرف المصريون حجمهم الحقيقي، وينتفض الجنود لتطهير هذه الأرض التي باركها الله في عليائه، وتجلى فيها لنبيه موسى؟
تململ مارجرجس في جلسته، ونظر إلى الحسين نظرة المعاتب، ثم قال: كيف تريدني أن أشرب أمامك وأنت صائم، والنهار لم ينتصف بعد!
واستدرك الشهيد الروماني بالقول: رغم أنك وأنني سقطنا من طعنات غادرة، لم تتحمل الحق والحقيقة، وآثرت ملذات الدنيا ومكاسب الحكم والسلطة على القيم النبيلة والقضايا العادلة، إلا أننا أصبحنا رموزًا عظيمة على مر الأزمان، لا تقلق يا صديقي، كلانا من أصول غير مصرية، لكن هذا البلد الذي احتضن رفاتنا وأكرمنا أهله لن يُضام.
انفرجت أسارير الحسين، وأشار ناحية القوات المتمركزة في الضفة الغربية للقناة، وقال: أتدري ماذا قال جدي العظيم، آخر الأنبياء عن هؤلاء العمال والفلاحين، الصعايدة وأبناء الوجه البحري، وحتى أبناء المدن؟.
اعتدل مارجرجس في جلسته، وقد بدت على وجهه علامات الفضول، وقبل أن يسأل، باغته الحسين: كنت صغيرًا، لكنني أعرف وصية جدي، رغم محاولات أعداء مصر التقليل من صحة هذا الكلام.
اسمع اسمع يا مارجرجس.. قال جدي لأصحابه وقادة جيشه: إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا منها جندًا كثيفًا، لأنهم خير أجناد الأرض، وهم في رباط إلى يوم الدين.
اهتز جسد الشهيد الروماني من وقع كلمات الحسين، ورسم علامة الصليب، وانتفض يشدو بصوت عالٍ: هكذا قال المسيح أيضًا.. مبارك شعبي مصر، مبارك هذا الشعب.
وبينما يتبادل الشهيدان أطراف الحديث، في انتظار الغروب ليتناول الحسين إفطاره، وكذلك مارجرجس الذي صام ذلك اليوم تضامنًا مع صديقه حفيد آخر الأنبياء الذي يسكن قلب القاهرة، انطلق سرب طائرات مصري، مخترقًا سماء سيناء، ليؤذن ببدء نهوض طائر النار العربي.
وبعد قليل بدأ الجنود عبور القناة، إلى الضفة الشرقية المقدسة من أرض مصر المحروسة، ممر الأنبياء، واتصل قلب الحسين وقلب مارجرجس، بقلب أم الدنيا، يضخان دماء العزة، والدفاع عن الحق، حتى لو كلف الأمر، الحياة كلها.
على مدى قريب، كانت جيوش الملك أحمس وأبيه الشهيد سقنن رع، وأخيه كاموس، على مشارف السويس، تلحقهم قوات تحتمس الثالث، وعجلات رمسيس الحربية.
تعالت أصوات كهنة معبد الإله آمون، وترانيم الكنائس، وابتهالات المسلمين في الجامع الأزهر، تشحن الجنود، فيما تزلزل الأرض من تحت أقدام الغزاة.
نظر مارجرجس إلى الحسين، ودون أن ينطق أحدهما، امتطى كل منهما حصانه، متوشحًا بالحق، ومتسلحًا بالإيمان، وانطلقا يلحقان بركب الزحف المقدس، حينما شقت زغاريد الإلهة إيزيس وفلاحات مصر، سماء الدنيا، إيذانًا بميلاد جديد، تكون الحرية والإباء والعظمة عنوانه الرئيسي.
من بعيد، كانت ماعت، إلهة الحق والعدل والنظام في الكون، تحمل على جناحيها، رسالة السلام المستند إلى القوة، بعد توقف الحرب التي أعادت الكرامة للمصريين، وأعادت التحام كل محاربيها العظماء عبر آلاف السنين، للاستشهاد مرة أخرى في سبيل تحرير آخر ذرة رمل داخل حدودها.
من يومها، ونحن نردد في هذا اليوم الذي مر عليه 50 عامًا: السلام على كل شهداء مصر الراحلين، السلام على سقنن رع الشهيد، السلام على كاموس الشهيد، السلام على أبناء مصر الشهداء، الذين بذلوا دماءهم رخيصة، وهانت أرواحهم وحيواتهم في سبيل تطهيرها من دنس اللئام والطامعين.