رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"هاري بوتر وآلة الاستغلال الاستعمارية".. كتاب عن آثار الاستعمار الباقية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

ينطلق كتاب "هاري بوتر وآلة الاستغلال الاستعمارية.. عن القانون الدولي والفقر والسر وراء تفوق الفشل"، الصادر حديثًا عن "دار المحرر"، من وعي بالآثار البغيضة التي تركتها الفترة الاستعمارية على العالم، منافحًا عن فكرة استمرار حضور المطامع الاستعمارية عبر أقنعة برّاقة تُخفيها لكنها لا تمنع من تحققها ونيلها. 

الكتاب، الذي ألّفه جيسون بيكيت، وترجمه حسين أحمد علام، كان في الأصل ورقة بحثية ألقاها المؤلف في محاضرة عن الاحتلال الاسرائيلي بمناسبة الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحاول من خلالها تسليط الضوء على ظُلمات القانون الدولي ودوره في ترسيخ الممارسات الاستعمارية بإلقاء الضوء على تغلغل ماضيه الاستعماري في حاضره ذي الطبيعة الاستعمارية الجديدة. 

الطبيعة الاستعمارية للقانون الدولي

يتتبع المؤلف النشأة الاستعمارية للقانون الدولي التي جعلته يعمل من خلالها وفي إطارها، معتبرًا أن جرائم الإبادة الجماعية التي مهّدت لقيام دولة إسرائيل وكذا ممارساتها اللاحقة لا تشكلان شذوذًا عن الصفة الاستعمارية للقانون الدولي، وأن نظام القانون الدولي ذا النية الطيبة، والذي يُطلق عليه المؤلف "هاري بوتر" مصيره الفشل لأن الوجه الآخر له ممثلًا في كونه ماكينة استغلال لا ترحم هو ما يتحكم بالعالم. 

يدافع "بيكيت" عن فكرة أن القانون الدولي العام وُلد من رحم المواجهة بين القوى الاستعمارية الغازية والسُكان الأصليين للبلاد المستعمرة، واستُخدم آنذاك لإضفاء الشرعية على حق المستعمِرين الأسبان في ثروات الأراضى المكتشفة، ومن ثم فقد طُوِر ووُظِف بصفته مشروعًا للنهب والاستغلال بجانب الحماية الاستعمارية.

الدواعي السياسية والقواعد الأخلاقية

يُشبّه المؤلف القواعد الأخلاقية المبتغاة للقانون الدولي بـ "هاري بوتر"، ليحصرها في إطار الفانتازيا ذائعة الصيت عالميًا والتي مع كل ما تحظى به من رواج تعجز عن تغيير الحاضر أو الوعد بمستقبل مشرق، فتلك القواعد حسبما يرى المؤلف لا تُقدِم سوى مقاومة رمزية قاصرة عن التطبيق مفتقرة إلى القوة اللازمة وذلك لغلبة الدواعي السياسية.  

تعترض الدواعي السياسية للقانون الدولي تطبيق قواعده الأخلاقية، لأنه يستمد شرعيته في الحاضر من الطبيعة الاستعمارية الجديدة بدعمه لبعض المبادرات السياسية بدءًا من التمدين حتى التجارة الحرة ومن الحداثة حتى العولمة، وكذلك بدعمه لحقوق الإنسان والنضال لإسقاط فكرة الحصانة ضد المساءلة، هذه المبادرات تعاد صياغتها في إطار ماكينة القانون الاقتصادي الدولي الذي تغذيه حاجة الدول المتقدمة لنهب ثروات الدول النامية وقواها العاملة. 

آليات القانون الدولي

يرى المؤلف أن هذه الصبغة الاستعمارية تنسحب على تكوين آليات القانون الدولي مثل إنشاء الأمم المتحدة وإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإحياء فكرة التنمية، فقد رسخ القانون الدولي ممارسات استغلالية لإبقاء ثروات الدول المتحررة من الاستعمار تحت يد القوى الكبرى من خلال مشاريع التنمية وأنشطة التجارة الحرة والسياسات النيوليبرالية. 

ويُفصِّل المؤلف فكرته بالحديث عن دور الأمم المتحدة التي صممت كمشروع استعماري، إبان فترة تفكيك الاستعمار بهدف المحافظة على نظام الاستعمار، ودور إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صاغته القوى الإمبريالية في تعزيز الأهداف الاستعمارية واستغلال الشعارات لقهر الشعوب، وهو ما يُبينه بقوله: حقوق الإنسان تعمل على تبديد السياسات وتحريف الطاقة والانتباه عن المقاومة إذ تُعامل المقهورين بوصفهم أطفالا بإجبارهم على التحول إلى الحضارة المثلى لجلاديهم، سواء أكانوا مناصرين أم قضاة أم -بوصفه الأصعب تحقيقا- المجتمع الدولي. 

وكذلك يتطرق المؤلف إلى إحياء فكرة التنمية في إطار التعبير عن النظام الاستعماري العالمي، مشيرًا إلى أن أوروبا لم تضطلع بتنمية المستعمرات، ولكن النهب الأوروبي للمستعمرات هو ما أسهم في تنميتها. ويوضح الكاتب فكرته تلك بقوله: إن تاريخ التنمية الأوروبية لم يكن تاريخًا أصيلًا يعكس اكتفاء ذاتيًا، وإنما كان تاريخًا من السرقة والنهب بمعدل غير متصور.  

أما عن دور القانون الدولي في إنهاء حقبة الاستعمار فينكره الكاتب بتوضيح اقتصاره على تحجيم المكاسب التي أحرزها محاربو الحرية من شعوب المستعمرات، وفي إجبار الشعوب والأمم المستقلة على تبني شكل الدولة والالتزام بالحدود التعسفية التي رسمها المستعمرون وذلك كشرط لانضمامهم إلى النظام القانوني الدولي.

يشدد الكاتب في عمله المهم على أن القانون الدولي التقليدي فيما يتعلق بتصدره المشهد المعاكس للاستعمار لم يكن سوى إيدولوجية استعمارية جديدة استهدفت إبقاء الدول حديثة الاستقلال في رابطة مستمرة.