مشاكلنا بصراحة
إذا كان للرئيس السيسى سجايا متعددة فإن أبرز مميزاته هى الصراحة والدخول مباشرة إلى قلب المشكلة، هذه الصراحة يعززها لدى الرئيس إحساسه بأنه يبذل كل جهد ممكن بذله منذ تولى المسئولية.. وأنه ليس لديه ما يخفيه عن الناس الذين يعمل معهم ومن أجلهم.. والحقيقة أن هذه الصراحة تجلّت فى مواقف كثيرة كان آخرها مؤتمر «حكاية وطن» الذى عقد بالإسماعيلية صباح الأمس، واستعرضت جلساته جهود الدولة المصرية فى مجال بناء الإنسان المصرى فى مجالات التعليم، والثقافة، والرياضة، والحقيقة أنه ثمة مجالات أخرى تحتاج للطرح على الرأى العام فى هذا المجال مثل تمكين المرأة والشباب، والحريات الدينية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق فى السكان والقضاء على العشوائيات، وهى مجالات أنجزت فيها الدولة تحت قيادة الرئيس السيسى إنجازات كبيرة لا ينكرها سوى مكابر ولا يؤثر عليها ولا يقلل منها الأزمة الاقتصادية وتداعياتها علينا جميعًا.. إن الحديث المباشر للمسئول عادة ما يكون وسيلة إعلام قوية جدًا تختصر المسافات وتطرح المعلومات بشكل مباشر وسريع.. ورغم اهتمامى بملف التعليم، إلا أننى فوجئت بعدد الجامعات المصرية التى تم بناؤها فى تسع سنوات فقط من ٢٠١٤ وحتى الآن، وبأن العدد هو ٥٤ جامعة متميزة ومتنوعة ما بين الجامعات الأهلية والحكومية والتكنولوجية ذات الطبيعة الخاصة.. توقفت كذلك أمام ما أعلنه وزير التعليم العالى من أن عدد الجامعات المصرية كان حتى عام ٢٠١٤ خمسين جامعة فقط تخدم تسعين مليون مصرى.. فى حين أن المعدل العالمى يفترض وجود جامعة لكل مليون مواطن.. بمعنى أننا كنا نعانى من عجز مقداره أربعون جامعة مصرية.. هذا إذا تغاضينا عن تراجع مستوى بعض الجامعات الحكومية الإقليمية وتحولها لمدارس ثانوية كبيرة.. والفكرة أن ثورة يوليو قامت ومصر فيها ثلاث جامعات فقط وأننا منذ ١٩٥٢ وحتى ٢٠١٤ بنينا ٤٧ جامعة فى اثنين وستين عامًا.. ثم إذا بنا نبنى ٥٤ جامعة فى تسعة أعوام فقط.. إن هذا إنجاز يشبه الإعجاز لا ينكره إلا مكابر جاحد أو شخص غير منصف، وحتى نكون منطقيين فإن الإنجاز السريع لا تظهر آثاره بسرعة ولكنها تظهر على مدى السنوات.. فهذه الجامعات تنتقل من مرحلة البناء لمرحلة الإدارة.. ومن مرحلة الإدارة العادية لمرحلة الإدارة المبدعة.. ومن المفهوم أن بناء هذا العدد الكبير فى سنوات قليلة يجعل العرض أكثر من الطلب للوهلة الأولى.. ثم تبدأ كل جامعة فى بناء سمعتها من خلال إدارة احترافية ويتزايد الإشغال مع الزيادة السكانية ودخول مزيد من المصريين لسن التعليم الجامعى ووفود مزيد من الطلبة الأجانب للدراسة فى هذه الجامعات التى قال الرئيس إن بناءها فقط تكلف ١٨٠ مليار جنيه بأسعار ٢٠١٤ دون حساب تكاليف التأثيث والتشغيل والمعامل.. ولا شك أن هذا إنجاز يثلج القلب علمًا بأنه من الطبيعى جدًا أن تكون هناك مشكلة أو أكثر فى إدارة هذه الجامعة أو تلك.. لأن الأمر يشبه نزول كمية كبيرة من الطعام لمعدة خالية لم تعمل من فترة.. قد يحدث تلبّك فى البداية لكن الأمور تسير بعد ذلك بانتظام لأن عدم نزول الطعام للمعدة كان سيؤدى للوفاة جوعًا... والجميل أن هذه الحقائق أُعلنت فى مدينة الإسماعيلية.. لأن الحقائق أحيانًا ما تذهب ضحية لثقافة «اللقطة» أو «لحظة اليوتيوب» التى أشاعتها وسائل التواصل حين يتم اقتطاع جملة من سياقها وما قبلها وما بعدها.. ثم استخدامها للترويج لأكذوبة معينة.. ولعل هذا ما حدث حرفيًا فى أثناء نقاش فى مؤتمر الشباب بالإسماعيلية، منذ خمس سنوات، حيث كان الرئيس يتحدث عن ضرورة الجمع بين الحرب على الإرهاب- وكانت فى أشدها وقتها- وبين التنمية، وحاول أن يشرح قائلًا: «يعمل إيه التعليم فى وطن ضايع»، وأظن أنه كان يتكلم عن البلاد التى سيطر عليها الإرهاب وبدد جهود حكوماتها فى التنمية.. لكن لجان الإرهاب اقتنصت الجملة وجعلتها عنوانًا للتضليل وإعلانًا أن الدولة لا تهتم بجهود التعليم، والحقيقة أن الدولة تهتم، ولكن الإمكانات أقل من المطلوب، وفى كل عام يدخل ٢ مليون طفل لسباق التعليم الابتدائى، والميزانيات قاصرة، ومع ذلك راهنت الدولة على مشروع طموح لتطوير التعليم وإدخال التكنولوجيا كأداة تعلم أساسية وتطوير المناهج بشكل جذرى.. لكن المواطن المصرى الرافض لأى تغيير بطبيعته أعلن عن القلق ثم الغضب.. رغم أن أمور التعليم منذ أكثر من عشرين عامًا ينطبق عليها المثل أنها «خربانة خربانة» ولم تكن تجربة التطوير لتزيد الأمر سوءًا، ومع ذلك تفهمت الدولة، وقررت ألا تغامر فى مجال حيوى مثل التعليم، ولا يمنع ذلك من أن رؤية بناء مدارس حكومية مميزة بمصاريف قليلة رؤية محترمة تتيح تطبيق العدالة فى التعليم بشكل جزئى وتتيح التطوير لـ«حجم حرج فعال» بمعنى أننا نطور مئة مدرسة مميزة، ثم ننتقل لتطوير مئة أخرى.. إلخ.. ولم تتوقف صراحة الرئيس عند هذا.. لكنه انتقل ليناقش فكرة تلقى المدرسين دورات تأهيلية فى الأكاديمية العسكرية لرفع القدرات الإدارية والتعود على نظام محدد فى العمل.. ولكن ما لم يقله الرئيس أن مهنة التدريس كانت دائمًا مستهدفة من جماعات الإرهاب، سواء فى المدارس أو الجامعات، وأن مؤسس الجماعة الإرهابية بدأ حياته مدرسًا وأوصى جماعته باختراق عقول المصريين عن طريق التدريس.. وبالتالى فإن تدريس حقائق التاريخ المصرى لمدرسى المستقبل هو أول خطوة نحو صناعة جيل يؤمن بوطنه ويعرف قيمته.. ولكن هذا لا يعجب الإرهابيين.. طبيعى جدًا.