بشائر معركة محترمة
الأخبار عن مرشحى معركة الرئاسة توحى بمعركة محترمة.. وفق مطالبات شعبية وتنبؤات صحفية قد يعلن الرئيس السيسى عن ترشحه لفترة أخرى خلال ساعات قليلة.. فى نفس الوقت أقر حزبا المصرى الديمقراطى والدستور الدفع بمرشحين لكل منهما فى المعركة الانتخابية الرئاسية.. بغض النظر عن موقفى الشخصى والمرشح الذى أؤيده فنحن أمام مشهد انتخابى واعد.. لماذا؟ لأننا سنشهد منافسة بين ثلاثة برامج انتخابية قوية... نعم.. التنافس هنا بين برامج، أما الأشخاص فموضوع آخر.. من ناحية الأشخاص فإن أغلبية المصريين يفضلون الرئيس السيسى لاعتبارات متعددة.. لكن من ناحية البرامج فأنا أتوقع أن يتقدم مرشحا حزبى المصرى الديمقراطى «د. فريد زهران» والدستور «الإعلامية جميلة إسماعيل» ببرنامجين قويين للغاية... على المستوى الشخصى كلاهما له خبرة طويلة فى العمل السياسى ومراحل متعددة على مستوى المواقف والتحالفات، وعلى المستوى الفكرى يعبر كل منهما عن اتجاه سياسى مختلف تمامًا.. رئيس الحزب المصرى الديمقراطى يأتى من خلفية يسارية متعددة المراحل، فهو من رموز جيل السبعينيات فى الجامعات المصرية، ومر بتجارب سياسية مختلفة، ويرأس الآن حزبًا يعبر عن «يسار الوسط» ويؤمن بالاشتراكية الديمقراطية، ومعه فى المعركة مرشحة حزب الدستور وهو حزب ليبرالى أقرب ليمين الوسط وإلى الغرب بشكل عام، وفى الأساس هناك المرشح الأوفر حظًا الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يسانده تحالف واسع وكبير من العائلات الكبرى والقبائل وعشرات الأحزاب التى تعرف بـ«أحزاب الموالاة» والمواطنين الذين استفادوا من حياة كريمة وبدائل العشوائيات وغيرها من المشروعات، فضلًا عن الملايين الذين يثقون فى القوات المسلحة المصرية ثقة مطلقة، ومع ذلك أتوقع أن الرئيس السيسى لن يركن لهذا التأييد، وسيتقدم ببرنامج انتخابى أقرب لكشف حساب يعدد فيه ما تم إنجازه «وهو كثير» وما يحلم بإنجازه وهو كثير جدًا.. وبالتالى سيكون لدينا برنامج انتخابى قوى ينافس برامج انتخابية قوية.. وسر قوتها أنها تستند لرؤى فكرية واضحة من اليسار واليمين.. يزيد من حدة هذا التنافس أن دولة يوليو منذ قيامها تلتزم بخط أقرب للوسط السياسى.. وبالتالى سيعبر برنامج الرئيس عن تيار الوسط فى السياسة المصرية وعن رؤية تنموية واضحة لتطوير مصر.. وسيعبر برنامج مرشح الحزب المصرى الاجتماعى عن رؤية أقرب ليسار الوسط أو عن الخط الاشتراكى الديمقراطى، وسيعبر برنامج مرشحة حزب الدستور عن خط أقرب ليمين الوسط أو عن الرؤية الليبرالية لمصر.. وسينعكس هذا على أكثر قضية تهم المصريين حاليًا وهى الاقتصاد.. هناك تباين بين برامج المرشحين عمومًا والثلاثة مرشحين الأهم- من وجهة نظرى- حول دور القطاع الخاص ودور الدولة فى الاقتصاد وسياسات الضرائب مثلًا، ومخصصات التعليم... إلخ وبالتالى سنشهد جدلًا صحيًا وتنوعًا فى الأفكار، وسيكون مع كل مرشح حملة من أعضاء حزبه تساعده فى طرح أفكاره، وكأننا أمام استمرار لحالة الحوار الوطنى أثناء المعركة الانتخابية.. ميزة وجود مرشحين لهم تاريخ طويل فى السياسة هى أننا سنكون أمام معركة ناضجة وصراع أفكار جذرى، لا أمام حالة مراهقة سياسية، أو أمام أطفال يمارسون السياسة ويستعرضون عضلاتهم أمام الجمهور ليثبتوا أنهم صاروا كبارًا.. إننى أحلل أداء الرئيس ومؤسسات الدولة منذ ٢٠١٤ وأكاد أجزم بأنه لم تكن لديه مشكلة فى أى طرح سياسى ما دام يطرح باحترام وموضوعية ولغة لا تنطوى على سب وقذف، وأجزم أيضًا بأنه كانت لديه مشكلة مع أى خطاب لا يلتزم احترام الحياة الخاصة وقواعد الخطاب السياسى وينطوى على جرائم السب والقذف.. وهو فى ذلك مثله مثل أى مصرى عادى لا يقبل الأذى أو التعدى أو المخالفة القانونية أو الاتهامات المرسلة.. وبالتالى فنحن فى انتظار معركة سياسية ناضجة تتنافس فيها البرامج بموضوعية واحترام وبمنتهى الجذرية أيضًا.. وتبقى نقطة مهمة.. إنه فى أى معركة انتخابية فإن برامج المرشحين الذين لم يفوزوا لا تذهب سدى.. فالأفكار فيها تطرق أسماع الرأى العام بقوة من خلال المناظرات والبرامج والمؤتمرات.. بل إننى أدعى أنها تؤثر فى المرشح الفائز نفسه الذى لا بد له أن يدرس برامج منافسيه ليرد عليها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.. ثم يبقى أن تصويت عدد معين من الناخبين على برنامج بعينه هو شهادة له حتى لو لم يفز صاحبه.. ولو صوت مليون مواطن مثلًا على برنامج يعبر عن يسار الوسط فهذا مؤشر تجب مراعاته والنظر إليه.. والأمر نفسه ينطبق على برامج المرشحين الآخرين.. نحن أمام بشائر معركة واعدة ومحترمة تستحق أن نتابعها ونشارك فيها بالرأى والكلمة والصوت الانتخابى وذلك أضعف الإيمان.