مطلوب ثورة ضد البيروقراطية
مشهد (١)
الزمان: مساء ليلة صيفية حارة
المكان: حديقة ميدان عابدين بالقاهرة
اصطحبت صديقًا وذهبت إلى حديقة قصر عابدين بالقاهرة.. فكرة الحديقة جميلة.. تم تحويل الميدان لمتنزه لأهالى القاهرة.. رئة جديدة وسط الزحام.. مقاعد رخام وأخرى من الخشب ومقاه صغيرة تقدم المشروبات والمأكولات الخفيفة.. تفكير ممتاز ولكن الشيطان يكمن دائمًا فى التفاصيل.. احتجت أن أستخدم الحمام الخاص بالحديقة.. الحمام مبنى وكأنه حمام فندق فاخر.. ولكن رائحته غير آدمية.. رائحة خانقة تكشف عن انعدام مطلق للنظافة.. وأنا خارج واجهنى شخص ذو شارب كث يمسك فى يديه رزمة أوراق نقدية من ذات الخمسة جنيهات.. المعنى أنه ينتظر أن أدفع له خمسة جنيهات مقابل تعرضى للاختناق بغاز النشادر فى الحمام الذى هو مسئول عنه.. سألته: متى آخر مرة نظفت هذا الحمام؟ فأحس بالحيرة ولم يعرف هل أنا مسئول؟ أم مواطن؟ وأظن أنه اندهش من فكرة وجود مواطن يطلب حقه مقابل تذكرة الدخول التى دفعها.. إذن نحن أمام مشروع رائع وجهد تم إهداره بسبب سوء الإدارة.. أو فساد الموظفين أو التواطؤ بين المشرف وبين المسئول عن الحمام القذر.. إن كل هؤلاء من موظفى الحكومة.. لكن المفاجأة أنهم من الشعب أيضًا.. هذه هى المفارقة.. الحكومة من الشعب والشعب من الحكومة! هذه هى المأساة.. لقد فكرنا وخططنا واستثمرنا وأنفقنا.. وجاء عامل الحمام الفاسد ليهدر كل هذا.. إنها مأساة تتكرر بأشكال مختلفة وفى أماكن مختلفة وبصيغ مختلفة.. والنتيجة أن القيادة والشعب معًا يدفعان نتيجة فساد بعض الموظفين وإهمال البعض الآخر وتآمر البعض الثالث.. وهذا ليس عدلًا.
مشهد (٢)
الزمان: نهار أحد أيام شهر سبتمبر
المكان: مجمع سكنى فاخر فى مدينة ٦ أكتوبر
يطرق الباب مأمور الضرائب العقارية.. يقول للساكن: أنا هنا لتقدير ثمن وحدتك السكنية وتحصيل الضرائب عليها.. وحدتك سعرها الآن ستة ملايين جنيه وسنحصل عليها الضرائب بأثر رجعى من ٢٠١٧ وحتى الآن.. يقول الساكن: القانون ينص على إعفاء الوحدة التى يقل ثمنها عن ٢ مليون جنيه ويسكن فيها صاحبها من الضريبة وهذا ما ينطبق علىّ.. يقول الموظف الحصيف: لقد ارتفع ثمن وحدتك السكنية.. لقد كان سعرها ٢ مليون جنيه فعلًا حين أصدرنا القانون.. ولكن سعرها زاد.. يقول المواطن: زاد سعر الوحدة لأننا أجرينا عدة تعديلات على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.. زاد السعر بسبب التضخم وليس لأى سبب آخر.. قيمة الوحدة ما زالت كما هى والقانون يمنحنى إعفاء من الضريبة.. المفروض أن يتم تعديل حد الإعفاء لأن الدنيا تغيرت من ٢٠١٧ وحتى الآن.. يقول مأمور الضرائب: القانون لا يعرف عائشة.. ستدفع وبأثر رجعى.. مطلوب منك مبلغ أربعين ألف جنيه فورًا.. ماذا يحدث بعد ذلك.. يدخل المواطن إلى مجموعات «واتس آب» ومواقع التواصل ليروى القصة ويشيع بين كل من يعرفه مرارة ممزوجة بالسخرية والغضب وخلط الحابل بالنابل ويتم تحميل الرئيس كل شىء.. رغم أن العدل والمنطق يقول يجب أن نقوم بتعديل حد الإعفاء من الضريبة العقارية ما دامت أسعار المساكن قد تغيرت.. هذه مسئولية نواب الشعب.. نرفع قيمة الإعفاء من الضريبة العقارية بنسبة توازى نسبة التضخم الفعلى، وفق تقارير البنك المركزى المصرى، أو بنسبة تعادل الزيادة السنوية فى سعر متر المبانى، وفق تقرير غرفة البناء والتشييد فى اتحاد الصناعات.. إنما أن يترك الناس لتقدير مأمور ضرائب يصب بنزين سوء التقدير على نار الغضب، فهذا ليس عدلًا، ويسىء للرئيس نفسه ولجهوده فى بناء مصر.
مشهد (٣)
الزمان: ظهر أحد أيام شهر يوليو ودرجة الحرارة فوق الأربعين
المكان: أحد فروع الهيئة العامة للاستثمار
اقتربت بسيارتى بحثًا عن مكان أتركها فيه وأصعد للمبنى.. لفت نظرى وجود ساحة انتظار خالية تقارب مساحتها الفدان.. أردت الدخول إليها فلاحظت أنها مغلقة بمانع حديدى.. قال لى الحارس إن هذه المساحة الخالية مخصصة لسيارات الموظفين والمديرين.. سألته: أين يترك المواطن سيارته؟ أشاح بيده وقال: بره.. فى الشارع.. صممت على أن أترك سيارتى فى ساحة الانتظار.. وطلبت مقابلة المدير.. قلت له أنت والموظفون موجودون لخدمة المواطن.. فكيف يستولى المديرون على ساحة انتظار تفوق الفدان وتطلب من المواطن الذى يدفع راتب الجميع أن يركن سيارته فى الشارع.. اعتذر الرجل عن أشياء وقال أشياء ووعد بتغيير أشياء لكنى أشك أن أمرًا واحدًا قد تغير.. هل هذه طريقة لمعاملة المستثمرين؟ لا طبعًا.. هذه واقعة واحدة تكشف لنا عن العقلية التى تؤدى لتعطيل الاستثمار.. وأيضًا يدفع ثمنها الشعب والرئيس أيضًا.. هذه ثلاث قصص لسخافات يرتكبها موظفون ينتمون للشعب وللحكومة أيضًا ويفسدون بها الهدف من المشروعات التى يعملون فيها.. هذا الأداء وليد عقود طويلة من الفساد.. ووليد عقد نفسية تحكم البيروقراطية المصرية وربما وليد تواطؤ ضد الدولة وضد جهودها فى التنمية من بعض الموظفين المتعاطفين مع الجماعة الإرهابية.. أطالب الرئيس بإعلان الثورة ضد البيروقراطية المصرية.. وأن يكون هذا أحد محاور برنامجه الانتخابى الجديد وبدون هذا فإن قدرًا كبيرًا من جهود التنمية يتبدد فى الهواء للأسف الشديد.