فى قلب العالم
متابعة حركة مصر على المستوى الرسمى تؤكد معنى واحدًا يومًا بعد يوم.. مصر فى قلب العالم.. سواء العالم الذى شببنا عليه، أو العالم الجديد الذى يتشكل.. فى الأسبوع الماضى عُقد فى القاهرة «مؤتمر الصحة والسكان» بعد ٢٧ عامًا من انعقاده للمرة الأولى فى القاهرة.. تم طرح أفكار جريئة للتعامل مع قضية الزيادة السكانية، وكذلك لتوفير الرعاية الصحية للسكان بطرق غير تقليدية.. المبادرات والقوافل المتحركة والعمليات العاجلة كلها طرق غير تقليدية تُشبه دور قوات الصاعقة، التى تنفذ عمليات محددة للتعامل مع المشكلة فى انتظار وصول القوات النظامية.. ما طرحه الرئيس حول تنظيم الهجرة الشرعية لتعويض النقص فى الثروة البشرية فى أوروبا أكثر من مهم، وهو فكر محترم يجارى التطورات فى العالم ويتيح الفرصة للمصريين للاحتكاك بمجتمعات أكثر تقدمًا، كما أنه فى حالة نجاحه يشكل مصدرًا مهمًا وإضافيًا للعملة الصعبة.. وهو أمر موجود ومطبق بالفعل ويعتمد عليه الاقتصاد المصرى منذ منتصف السبعينيات تقريبًا.. الجديد هو تنظيم الهجرة المؤقتة لأوروبا التى تواجه نقصًا حادًا فى معدل المواليد والمراكز الاقتصادية الجديدة فى العالم، مثل كوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب إفريقيا، وغيرها من الاقتصادات الصاعدة.. يتأكد معنى «مصر فى قلب العالم» من متابعة نشاط الرئيس السيسى فى قمة العشرين التى افتتحت بالأمس فى الهند.. الرئيس حضر القمة بدعوة مباشرة من رئيس الهند.. وكان الصوت الرئيسى لإفريقيا.. بين البلدين علاقات قديمة تم ترفيعها منذ شهور لدرجة العلاقة الاستراتيجية.. فى أرشيف مجلة «اللواء» لصاحبها مصطفى كامل مقالات تكشف إعجاب الوطنيين المصريين بالحركة الوطنية فى الهند ضد بريطانيا.. ثورة ١٩١٩ فى مصر ألهمت الوطنيين الهنود أيضًا ودفعتهم لتقليدها.. بعد الاستقلال ربطت بين مصر والهند علاقة خاصة جدًا عبّرت عن نفسها فى تشاركهما فى تأسيس حركة عدم الانحياز.. استطاعت الهند كبح جماح التطرف فى مجتمعها فتقدمت، وهزمنا التطرف لعقود خمسة فتأخرنا.. رغم العداء استفادت الهند من وجودها فى الكومنولث البريطانى وأرسلت مئات الآلاف للتعلم فى بريطانيا، ولم نفعل نحن ذلك.. يبقى أن الهند فى هذه اللحظة تعرف قيمة مصر جيدًا، وأننا ندرك مدى التقدم الذى يحققه الحليف القديم لمصر.. الهند هى الاقتصاد الأسرع نموًا فى العالم.. أزاحت بريطانيا من مرتبة أقوى خامس اقتصاد فى العالم، وتعدو بسرعة لتنافس الصين وأمريكا على المركزين الأول والثانى.. فى الاجتماعات التى جرت بالأمس كان الرئيس السيسى صوت إفريقيا وصوت العالم النامى.. تحدث عن استعداد مصر لتستضيف مخزنًا عالميًا للحبوب بعيدًا عن اضطرابات الحروب التى تمنع تدفق الحبوب على الدول التى تحتاجها فى خبزها اليومى.. موقع مصر فى منتصف العالم والاستقرار الذى تنعم به يجعل منها موقعًا عالميًا لتخزين الحبوب على أرضها.. يضمن هذا تدفقًا آمنًا للحبوب للدول المستوردة لها بعيدًا عن تطورات الحروب والهزات فى ذلك البلد أم ذاك.. الهند لديها أفكار طموحة للوجود فى الشرق الأوسط، ومصر هى أكبر دول الشرق الأوسط على عدة مستويات.. سواء على مستوى القوة العسكرية أو عدد السكان أو فرص النمو الاقتصادى.. هذه عوامل لا يمكن إغفالها فى النظر لتطور العلاقات بين البلدين.. مؤخرًا جمعت عضوية الـ«بريكس» بين مصر والهند أيضًا، ولا شك أن الأخيرة كانت صوتًا مرحبًا بانضمام مصر للمنظمة الواعدة.. فى اجتماع قمة العشرين تحدث الرئيس عن إصلاح الهياكل التمويلية للدول النامية، وعن مساعدة الدول الأكثر ثراء فى تنمية مستدامة للعالم الأقل حظًا من الثروة.. هذه مطالب ملحة لا بديل عنها؛ كى يسير الجميع فى طريق الاستقرار والتقدم.. الرئيس تحدث أيضًا عن الانتقال العادل لمواجهة التغيرات المناخية.. العدالة هنا تقتضى تعويض العالم الثالث عن فاتورة أضرار التغيرات، وتقتضى أيضًا تمويل الانتقال لوسائل الطاقة النظيفة.. بشكل عام تكشف متابعة التحركات المصرية عن أن مصر كانت وما زالت فى قلب العالم، وأنها تحجز لها مكانًا فى خريطة المستقبل، وهو مكان نستطيع أن نحدد أهميته بمقدار العمل والصبر الذى يمكن أن نبديه فى السنوات القليلة المقبلة.