الجذور السامة للمشكلة السكانية
المقاربة الجريئة التى طرحها الرئيس للقضية السكانية تستدعى أن نتحدث عن الأمر بشجاعة أكبر، كل ظاهرة اجتماعية لها جذور ثقافية تتسبب فيها، فى مشكلة السكان كما فى غيرها فإن الفهم الخاطئ للدين يقود الناس إلى الموقف الخطأ، ويقود البلاد إلى مزيد من التراجع فى سباق التقدم.. فى قضية السكان، كما فى غيرها، عمم المتطرفون فهمًا متخلفًا قادنا إلى الوراء، وسيظل يقودنا طالما تركنا له مساحة فى أذهان الناس.. منذ السبعينيات عاد الإخوان ليسيطروا على عقول الناس بمفاهيم مضادة للحداثة ومعهم حليف وهابى جديد.. قيل للناس إن الرسول الكريم يقول «تناكحوا تناسلوا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة»، ولكن لم يقل لهم أحد إن هذا الحديث قيل فى مرحلة استضعاف الدعوة وبداية تأسيس الدولة، وإنه أصبح لا داعى له وعدد المسلمين يقترب من المليار ونصف المليار.. الذين قالوا هذا الحديث للمصريين وأقنعوهم به لم يركزوا على حديث آخر يحذر فيه الرسول المسلمين من أن يصبحوا «كثرة.. ولكن كغثاء السيل».. أى عدد كبير بلا قيمة وبلا قوة وبلا تأثير.. من الجذور السامة التى تم غرسها فى عقل المصرى من السبعينيات أيضًا أن المرأة مكانها البيت، وأن عملها حرام.. وكان أشهر دعاتنا يقول للناس إن المرأة التى تخرج للعمل تمنح الرجل الحق فى أن يشك فى نسب أبنائه منها!! وكان يصفها بأنها تريد أن «تتنطط»!! أدى ذلك لتحويل المرأة المصرية إلى وعاء للإنجاب، إذ أصبح لا مجال أمامها لتثبت نفسها فيه إلا مجال الإنجاب.. من الجذور السامة التى تم زرعها أيضًا فى عقل المصريين ثقافة تعدد الزوجات.. حيث يصبح الزوج كذكر النحل وكل دوره هو الإنجاب من واحدة واثنتين وثلاث إذا استطاع، ليصبح لدينا خط إنتاج مضاعف تنجب فيه الأسرة طفلين أو ثلاثة فى العام لا طفلًا واحدًا تحمل به الأم كل عام بحسب ما قضت به الطبيعة.. من جذور السبعينيات السامة والمدسوسة علينا أيضًا ثقافة الفتنة الطائفية، وإقناع البسطاء بأن المصرى فى سباق مع أخيه المصرى من دين مختلف، لزيادة عدد أتباع كل دين.. ورغم أن المصريين هزموا الفتنة الطائفية فى ٣٠ يونيو حتى أصبحت ذكرى.. إلا أن آثار هذه الأفكار السامة ما زالت موجودة حتى ولو كنتائج لما اقتنع به الناس فى سالف السنوات.. هذه الجذور السامة، التى دعمت ثقافة التواكل وعدم التفكير العلمى، تعكس نفسها فى فهم خاطئ لمفهوم الرزق الذى هو نتيجة للأخذ بالأسباب وللسعى.. لكن البعض أفهم المصريين أن الطفل يأتى ورزقه معه! أو أن «العيل بييجى برزقه»، وساعد على ذلك أن الناس لا تعرف أسبابًا منطقية لثراء البعض ولا لافتقار البعض فى مصر منذ السبعينيات حتى الآن.. وهو ما شجع الاعتقاد بأن الرزق غير مرتبط بتعليم الرجل أطفاله وإعداده لهم، كى يخوضوا سباق الحياة، وأن ذلك يستدعى أن يكون لديه عدد أطفال أقل حتى يتمكن من تعليمهم جيدًا، وبالتالى فأحد أسباب مقاومة الزيادة أن نقنع الناس بأهمية تعليم الطفل وبأهمية عمل المرأة.. أو أن نقنعهم بالحداثة كبديل عن ثقافة التخلف.. من الأسباب الثقافية أيضًا لجوء الطبقات الأقل حظًا من التعليم لتشغيل الأطفال كمصدر لدخل الأسرة، وبالتالى إنجاب مزيد من الأيدى العاملة وتشغيلهم فى سن الطفولة كمصدر دخل للأب، وهو نمط أقرب للعبودية والاتجار بالبشر، لذلك لا بد من تجريم عمالة الأطفال وتشديد العقوبة عليها، مع مقاومة التسرب من التعليم وتوعية الأهل بأن التعليم هو الأداة الوحيدة التى تكفل لأبنائهم الخروج من دائرة الفقر.. وبالتالى فإن الحل هو فى مزيد من التوعية وتعميم نظام الزائرات المنزليات ليغطى كل مناطق الجمهورية، حيث إن التواصل المباشر مع البسطاء هو الوسيلة الأكثر نجاعة من وجهة نظرى وإلا لما انتشرت أفكار التطرف كل هذا الانتشار، وإلى جانب التوعية المباشرة لا بد من حملات إعلانية للنجوم المحبوبين والمؤثرين فى الناس، يخاطبهم فيها النجم بطريقة مباشرة دون رقص أو غناء أو تحذلق.. وتبقى ملاحظة ختامية أنه فى كل مرة تطرح فيها الدولة قضية الزيادة كعائق للتنمية يظهر بعض المتحذلقين ليعارض هذا الرأى.. والحقيقة أن زيادة السكان مصدر قوة لو تمكنا من تعليم كل طفل جديد يوجد، ومصدر ضعف لو تركنا أطفالًا جددًا يولدون بلا إمكانات لتعليمهم ورعايتهم، حيث يصبحون وقتها «كثرة كغثاء السيل» كما قال الرسول الكريم.. والله أعلى وأعلم.