بشائر البريكس
بقدر أهمية الحدث بقدر ما تكلم الجميع عنه.. عشرات المقالات والمداخلات حول انضمام مصر للبريكس.. المتفائلون رأوا فيه بشرة خير، وعلامة تقدم ومؤشر أهمية.. المتشائمون كانوا أكثر حرصًا، بعضهم قال إن التعامل بين الأعضاء بالعملة المحلية لا يحل المشكلة. قالوا لو أن مصر تستورد من دول البريكس بعشرة قروش وتصدر لها بخمسة فقط فسيظل لدينا عجز قيمته خمسة قروش «على سبيل المثال طبعًا».. كلام منطقى.. ولكن أشكال التعاون لا تقتصر على التصدير والاستيراد.. هذا نشاط طبيعى بين كل الدول حتى الأعداء.. التعاون الاقتصادى أمر آخر.. ما نريده من أعضاء البريكس الأولوية فى الاستثمار لدينا.. لو أن الهند ستبنى فى مصر مصنعًا للمحمول مثلًا.. تريد أن تدفع ثمن الأرض بالروبية الهندية.. أهلًا وسهلًا.. سنأخذ الروبية ونسدد بها ثمن القمح للهند.. نفس الأمر بالنسبة للصين وروسيا والبرازيل وكلها دول صناعية كبيرة.. كنت أفكر هذا التفكير المجرد حتى قرأت خبرًا يقول «شركات روسية وصينية تعلن عن مشروعات صينية جديدة فى مصر» ليس صدفة أن يتم هذا الإعلان عقب يومين من دعوة مصر للانضمام للبريكس.. لا صدفة فى عالم الاقتصاد ولكن مصالح متبادلة.. يقول الخبر إن شركة روسية تنوى استثمار نصف مليار دولار لإنشاء مصنع للصلب فى مصر.. الشركة تحمل اسم «نوفستال إم» وهى من كبريات شركات الصلب فى روسيا.. أما الصينيون فقد أعلنوا أنهم يريدون تأسيس مصنع للمنسوجات فى العين السخنة بتكلفة ستين مليون دولار.. المصنع سينتج ملابس صديقة للبيئة وأخرى «بدون خياطة» بهدف تصديرها لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.. أما لماذا فى مصر فبسبب الموقع الذى يتوسط العالم ويوفر تكلفة النقل.. تخرج المنتجات من السخنة إلى قناة السويس إلى أوروبا وأمريكا.. نحن إذن إزاء إقدام دولتين من كبرى دول البريكس على تأسيس صناعات ضخمة فى مصر بعد خطوة الانضمام للبريكس.. هذا هو التعاون والاستثمار وهو مسألة تختلف عن الإقراض والاقتراض فى كونها استثمارًا مباشرًا وعملات صعبة تضخ فى شرايين الاقتصاد الوطنى.. فى الماضى كان لا بد أن يشترى الروس نصف مليار دولار ويأتوا بها لمصر ثمنًا لأرض المصنع، ومعداته مثلًا.. ونحن علينا أيضًا أن ندبر الدولارات ثمنًا للقمح الروسى.. ومن لديه الدولار يبيع ويشترى فى كل الأطراف.. الآن المسألة أسهل.. يدفع لنا الروس بعملتهم أو يشترون منا عملتنا ليسددوا بها ثمن الأرض.. ونحن نسدد ثمن القمح بنفس الطريقة.. هذا هو التعاون.. لا شك أنه سيسعدنا جدًا أن يأتى المستثمرون الهنود والبرازيليون والإخوة فى السعودية والإمارات ليبنوا مزيدًا من المصانع فى إقليم قناة السويس والمصلحة مشتركة بكل تأكيد.. ليست صدفة أيضًا أن تتزامن أخبار الاستثمارات الروسية والصينية مع توجيهات الرئيس بزيادة حزمة الحوافز المشجعة للاستثمار.. إعفاء المصانع من الضرائب يزيد من قدرتها على تقديم سعر منافس بكل تأكيد، وكذلك رد نصف ثمن الأرض إذا انتهى المستثمر من التأسيس فى نصف الزمن المتفق عليه.. بمعنى أن من يريد نصف ثمن الأرض عليه أن يسابق الزمن وينتهى من كل شىء فى أقل وقت ممكن وهكذا.. فى نفس الإطار وعلى هامش دعوة مصر للانضمام للبريكس توقفت كثيرًا أمام تصريح لرئيس بنك الاستثمار الأوروبى.. هذا البنك دوره الرئيسى تقديم القروض لدول العالم النامى مثله مثل البنك الدولى.. إلخ.. الرجل صرح بانزعاجه من تعدد البنوك التى تقدم قروضًا للدول النامية «يقصد بنك التنمية التابع للبريكس» الأغرب أنه طلب من الدول الغربية تقديم تسهيلات للحفاظ على الدول النامية فى الفلك المالى الغربى!! سر دهشتى من تصريح الرجل أن الغرب يشعر الدول النامية بأنها عبء عليه.. وأن القروض التى يقدمها لها تقف عليه بالخسارة! وأن هذه القروض ليست تمويلًا للتنمية وتلبية لطموحات الشعوب للتقدم.. ولكنها دليل فشل الحكومات ودليل خراب الأوطان !.. على الأقل هذا ما تكتبه بعض صحف الغرب.. طيب إذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا الشعور بالغيرة من وجود جهات أخرى غير الغرب تقدم تمويلات للدول النامية؟ إذا كنا عبئًا على الغرب فلماذا يشعر بالغيرة؟ ولماذا لا يحمد الله على ظهور من يحمل عنه هذا العبء؟.. الأمر ببساطة أنهم كاذبون.. وأنهم طالما استغلوا سلاح المال لتعويق تقدم الدول النامية التى لا تروق لهم ووضع العقبات فى طريقها.. وأن تعدد مراكز الإقراض الدولى يزعجهم ويبطل الوضع الاحتكارى للمؤسسات المالية الغربية.. هذا هو الأمر بكل بساطة.. لذلك ليس علينا سوى أن نتفاءل وأن نعمل والباقى كله على الله وكفى بالله وكيلًا.