لماذا لا تبيع الحكومة الأمل للناس؟
عندى ملاحظة على أداء بعض المسئولين فى الحكومة، وهى أنهم يُحدثون الناس عن الإنجازات بـ«القطاعى»، وليس بـ«الجملة»، بمعنى أن المسئول لا يُحدث الناس عن تصور شامل للتنمية يدر عائدات سريعة بقدر ما يتحدث عن التفاصيل المحددة التى هو مسئول عنها، وبالتالى لا يرى الناس الصورة الكلية.. مثلًا.. حين أطلقت مصر مشروع القطار السريع.. كان مسئول حكومى كبير يقول كلامًا عامًا عن القطار، مثل أنه نقلة حضارية... إلخ.. لكن رئيس شركة سيمنس لخص الموضوع قائلًا إن القطار «قناة سويس على القضبان».. أربع كلمات أنهت الموضوع كله واختصرت كل شىء، والأهم أنها أعطت الأمل للناس.. بالأمس قرأت تصريحات لسيادة اللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، عن تطوير القاهرة التاريخية وشارع الأشراف.. الرجل لم يخطئ فى شىء.. تحدث عن تطوير الأرصفة والشوارع وتغيير مصابيح الشوارع.. وهذا كله رائع.. ولكننى أريد مسئولًا آخر يبيع هذا المشروع للناس من وجهة نظر سياحية وسياسية وثقافية وحضارية، ويشرح لهم النقلة التى يمكن أن تحدث فى عدد السياح، عندما ننتهى من هذا المشروع.. إنه سيضيف لمصر مسارًا سياحيًا جديدًا كان شبه مغلق أو ضامر، هو السياحة الدينية.. فباستثناء زيارة أهلنا فى القرى مقامات الأولياء فى القاهرة، ونزول بعضهم خصيصًا لهذه الزيارة، لم تكن هناك زيارات خارجية تستهدف مقامات آل البيت.. هذا إذن مشروع ضخم لم يعرف قيمته سوى الرئيس السيسى فقط.. كنت أبحث فى بعض البيانات فوجدت أن عدد السياح الإيرانيين الذين يزورون تركيا كل عام يزيد على أربعة ملايين سائح.. تركيا عضو فى حلف الناتو الذى فرض عقوبات على إيران.. وحاليًا علاقتها أكثر من ممتازة بالخليج العربى، لكن حزب العدالة والتنمية يرفع شعار «بزنس إذ بزنس».. لقد امتنعنا عقودًا عن استقبال السائح الإيرانى لأسباب لها علاقة بالأمن القومى، وتحالفنا مع الخليج العربى.. لكن المفارقة أن السياح الإيرانيين لم ينقطعوا أبدًا عن المملكة العربية السعودية طلبًا للحج كل عام.. والمعنى أننا كنا ملكيين أكثر من الملك، وأننا بالغنا فى لزوم ما لا يلزم.. لست خبيرًا أمنيًا، لكننى أثق فى أن تطور التكنولوجيا وبراعة الأجهزة المسئولة تكفل لنا أن نستفيد ونحافظ على أمننا فى نفس الوقت.. مطلوب أيضًا أن يشرح لنا المسئولون هل تطوير مزارات آل البيت يتضمن إنشاء فنادق قريبة منها كما نرى فى سيدنا الحسين؟.. معلوم أن هناك مَن يسعد قلبه لمجرد الوجود بالقرب من مقامات آل البيت وقضاء بعض الأيام.. مطلوب تصور لفنادق على طرز معمارية من البيئة تبنى فى كل المناطق المحيطة بمزارات آل البيت، وتحمل طابع العمارة الإسلامى.. فنادق متنوعة فى درجاتها السياحية تراعى طبيعة المكان وطبيعة الزائر.. فى الماضى كان الزوار يقصدون «لوكاندات سيدنا الحسين» حتى يناموا على مقربة من مشهد حفيد رسول الله.. ميدان السيدة نفيسة والسيدة عائشة وغيرهما يجب أن يضما فنادق على هذا الطراز.. شارع الأشراف نفسه الذى يضم عشرات المزارات يسكن به أناس عاديون يمكن تطوير بيوتهم وإعادة بنائها لتصبح فنادق وشققًا فندقية.. إذا التزمنا بالمقدمات القديمة فستقودنا إلى النتائج القديمة.. بدون ثورة فى الفكر لن نتقدم للأمام.. على سبيل المثال لماذا لا تكون لدينا «لاس فيجاس» مصرية؟، أو لماذا لا تكون لدينا سياحة الترفيه إلى جوار أنواع السياحة الأخرى؟.. إن فيجاس هى معجزة أمريكية فى صحراء قاتلة درجة حرارتها فوق الأربعين طوال العام، ومع ذلك فهى تضم ٧٥٪ من أرقى فنادق العالم.. إنها تبيع للسائحين جودة الفندقة.. المطاعم الفاخرة، العروض الفنية... إلخ.. من نافلة القول إن روادها من الأجانب ومن كل الجنسيات فى العالم وإنها تحقق عائدات سياحية خيالية.. إنها تعرف باسم «عاصمة الترفيه فى العالم»، ولا شك أن الشرق الأوسط يحتاج لمثل هذه المدينة.. والدولة التى تملك جرأة أكبر هى التى ستسبق إلى تأسيس «لاس فيجاس» الخاصة بها.. الدولة تسابق الزمن لبدء سياحة اليخوت فى مصر، وعلى وزارة السياحة أن تفكر ماذا سيفعل زوار اليخوت من الأجانب عندما يزورون موانئ مصر على البحرين الأحمر والمتوسط؟.. إن «فيجاس» هى ثالث مقصد عالمى لسياحة المؤتمرات فى العالم.. الشركات الكبرى والمنظمات الدولية والاتحادات الرياضية.. كلها تعقد مؤتمراتها فى فيجاس.. إنها مدينة حديثة نبتت فى قلب الصحراء.. لا يوجد حولها أى شىء سوى الرمال، ومع ذلك تجتذب عشرات المليارات كل عام.. فما بالنا لو كانت على البحر الأبيض أو الأحمر؟، إن فيها مدينة كاملة على الطراز الفرعونى وأخرى على طراز باريس القديمة وثالثة على طراز مدينة فينسيا.. ورغم أن هذا يبدو بسيطًا وربما ساذجًا، فإنه يجعلها من الوجهات السياحية الأهم فى العالم.. إننا لن نتقدم سوى بالأفكار غير التقليدية كما قال الرئيس السيسى عن حق.. وأحيانًا يبدو أننا نمتلك كل شىء وينقصنا الخيال.. والحقيقة أنه لم يعد لدينا وقت نضيعه.. والسياحة هى الجواد الرابح فى هذه الظروف.. والله أعلى وأعلم.