العالم علمين
فعاليات مهرجان «العالم علمين» انطلقت فى ١٣ يوليو الماضى، وستنتهى بعد غدٍ السبت، وخلال ٤٥ يومًا تابع عشرات الملايين هذا الحدث الترفيهى الأكبر فى منطقة الشرق الأوسط، عبر شاشات «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، إضافة إلى أكثر من مليون زائر، استقبلتهم مدينة «العلمين الجديدة»، إحدى مدن الجيل الرابع، التى تقع على مساحة ٥٠ ألف فدان، بطول ١٤ كيلومترًا على البحر المتوسط وعمق ٦٠ كيلومترًا جنوب الشريط الساحلى، كانت كلها، حتى سنوات قليلة مضت، ملغومة ومملوءة بالقتلة الحديديين.
فاتورة ضخمة جدًا، دفعتها مصر فى الحرب العالمية الثانية، التى لم تكن لها فيها ناقة أو جمل، أو حتى فرخة. وبانتهاء تلك الحرب، بدأت معركتنا مع القتلة الحديديين، Iron Killers، أو عشرات الملايين من الألغام والأجسام المتفجرة والذخائر، التى زرعتها وتركتها دول المحور والحلفاء، بريطانيا وألمانيا تحديدًا، فى الصحراء الغربية، خلال «معركة العلمين» الشهيرة، ضاربة عرض الحائط بالقاعدة رقم ٨٣ من قواعد القانون الدولى الإنسانى، التى تلزمهما بإزالة تلك الألغام أو إبطال ضررها، عند انتهاء الأعمال العدائية.
القتلة الحديديون منتشرون، إلى الآن، فى ٥٩ دولة، ويقتلون أو يصيبون شخصًا، على الأقل، كل عشرين ثانية. ومع أن مصر كان لديها العدد الأكبر من هؤلاء القتلة، أو من الألغام والأجسام المتفجرة والذخائر، التى خلفتها الحرب العالمية الثانية بالصحراء الغربية، إلا أن نصيبنا من الضحايا كان قليلًا نسبيًا، بفضل جهود قواتنا المسلحة: ٨٣١٣ حالة إصابة، منذ سنة ١٩٨٣، توفى منهم ٦٩٦، ويعيش الباقون بحالات عجز مختلفة.
بعد إعلان إيطاليا الحرب على بريطانيا، بدأ إطلاق النار فى كل المستعمرات الإيطالية المجاورة للمستعمرات البريطانية. وفى مثل هذا الشهر سنة ١٩٤٠، بدأت إيطاليا، التى كانت تحتل ليبيا، غزو الأراضى المصرية واستولت على بلدة سيدى برانى الواقعة على بعد ٩٥ كيلومترًا من الحدود. غير أن البريطانيين قاموا بتنفيذ هجوم مضاد، وتمكنوا من استعادة تلك الأراضى وتقدموا إلى عمق الأراضى الليبية، ما جعل الإيطاليين يطلبون المساعدة من حلفائهم الألمان، لتدور بين عامى ١٩٤١ و١٩٤٣ معارك ضارية فى منطقة العلمين، جرى خلالها استخدام الألغام الأرضية على نطاق غير مسبوق.
سنوات طويلة، قضتها مصر وهى تعانى من ضياع ٦٨٣ ألف فدان من أراضيها، بمنطقة الساحل الشمالى الغربى، تمتد من محيط مدينة العلمين حتى الحدود الليبية، ومن السلوم وسيدى برانى شمالًا على البحر المتوسط وحتى منخفض القطارة جنوبًا. وفى ديسمبر ١٩٩٧، تأسس أول مركز فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط لمكافحة الألغام، وهو منظمة غير حكومية تهدف إلى التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية والجهات الرسمية، التى تعمل فى مجال مكافحة الألغام فى العالم. وأسفرت جهود هذا المركز عن حصوله على عضوية الحملة الدولية لحظر الألغام، وعضوية ائتلاف المنظمات غير الحكومية من أجل إنشاء محكمة جنائية دولية، كما تمكن من تأسيس الحملة العربية لمكافحة الألغام، بمشاركة ١٣ منظمة غير حكومية.
مع الجهد الكبير، الذى قامت به وزارة الخارجية، لمطالبة الدول المعنية، وعلى رأسها بريطانيا وألمانيا، بتحمل مسئوليتها، قامت قواتنا المسلحة بجهد أكبر، وتمكنت من إزالة أكثر من ٢٥ مليون لغم وجسم متفجر وذخائر، بالصحراء الغربية، التى تمثل ٢٢٪ من إجمالى مساحة مصر، ما أسهم فى تنفيذ العديد من المشروعات العمرانية والتنموية المختلفة، وتوفير مناطق للاستزراع، واكتشاف واستخراج البترول، إضافة إلى تطهير مساحات كبيرة لصالح هيئة المحطات النووية بالضبعة، ومناطق صالحة لإقامة المشروعات الاقتصادية، و... و... والاستفادة من أراضى منطقة العلمين فى إقامة المشروعات التنموية.
.. أخيرًا، ومع الشكر الواجب، الذى تستحقه «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، سواء عن إقامتها مهرجان «العالم علمين»، أو عن تبرعها بعوائده لمبادرة «حياة كريمة»، نرى أن قواتنا المسلحة تستحق شكرًا مضاعفًا ليس فقط لدعمها ركائز أمننا القومى، وقيامها بواجبها فى حماية الوطن وصون مقدساته، ولكن أيضًا عن كل جهودها السابقة، الحالية والمستمرة، لتحقيق رؤية مصر ٢٠٣٠، أو الأجندة الوطنية للتنمية المستدامة.