بريطانيا تستميل إفريقيا!
برامج دعم مالى لقطاعات الغذاء والأعمال والطاقة المتجددة، وشراكات بشأن «تدابير أمنية مستدامة»، أعلن عنها جيمس كليفرلى، وزير الخارجية البريطانى، خلال زيارته غانا ونيجيريا وزامبيا، الأسبوع الماضى، فى ثالث جولة إفريقية يقوم بها، خلال أقل من سنة، إذ زار إثيوبيا وكينيا، فى سبتمبر الماضى، ثم ذهب، فى مارس، إلى سيراليون الواقعة على الساحل الغربى للقارة السمراء، التى انحدرت منها والدته.
فى كل هذه الدول، أو المحطات، وفى مناسبات مختلفة، أكد كليفرلى أهمية قارة إفريقيا لبلاده، ليس فقط لكونها سوقًا تجارية كبيرة ومهمة، ولكن أيضًا باعتبارها منطقة بالغة الأهمية على خارطة السياسة الدولية. ومن كينيا، أعلن وزير الخارجية البريطانى عن «دعم جديد لصندوق التنمية الإفريقى، ADF، بهدف مساعدة المجتمعات الأفقر على تنمية اقتصاداتها وخلق فرص العمل وتحسين الرعاية الصحية».
وضعت الحكومة البريطانية، حكومة تيريزا ماى، منذ خمس سنوات تقريبًا، خططًا، أو برامج، لتوسيع علاقاتها مع قارة إفريقيا، وتعهدت «ماى»، خلال جولة أجرتها فى جنوب الصحراء الكبرى، سنة ٢٠١٨، بجعل الاستثمار فى القارة أولوية. وفى القمة الإفريقية البريطانية، التى جمعته مع ١٦ زعيمًا إفريقيًا، سنة ٢٠٢٠، قال بوريس جونسون، رئيس الوزراء الأسبق، إن «الوقت قد حان لاستعادة علاقاتنا مع دول القارة السمراء». ووقتها، كان كليفرلى، يشغل منصب وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسعى إلى بناء «علاقات متبادلة المنفعة» مع دول القارة، غير أن جهوده، وخطط بريطانيا فى إفريقيا، والمنطقة إجمالًا، اصطدمت بتأثيرات وباء كورونا والأزمة الأوكرانية، والمشكلات الداخلية المتتالية، التى تعرض لها حزب المحافظين.
من حوالى ٤٣ مليار دولار، سنة ٢٠١٢، نزل حجم التبادل التجارى بين بريطانيا وإفريقيا، السنة الماضية، إلى حوالى ٣٥ مليار دولار. كما انخفضت حصة بريطانيا من الواردات الإفريقية من ٣.٢٪ إلى ٢.١٪، وكذا نزلت صادراتها من ٤.٤٪ إلى ٢.٦٪. وعليه، أعلن ريشى سوناك، رئيس الوزراء الحالى، فى ديسمبر الماضى، عن «استراتيجيات طويلة الأجل لتطوير العلاقات مع القارة»، و«بناء شراكات مستقبلية».
بالتزامن مع جولة كليفرلى الإفريقية الثالثة، نشرت جريدة «ديلى تليجراف» البريطانية تقريرًا حذرت فيه من «الخطر الذى يهدد بريطانيا وأوروبا عمومًا، حال استمرار تجاهل حكومات القارة العجوز لضرورة دعم الدول الإفريقية»، معتبرة أنَّ تراجع الحضور الغربى فى تلك الدول «فتح الباب واسعًا أمام تمدد النفوذ الروسى والصينى». كما قال جيرارد راسل، المتحدث السابق باسم الخارجية البريطانية، فى تصريحات صحفية، إنَّ بلاده تتطلع إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية لاحتواء التمدد الروسى من جهة، ومواجهة التهديدات المحتملة للحركات المتشددة العابرة للبحر المتوسط باتجاه أوروبا، من جهة أخرى. لافتًا إلى أن الوجود الصينى فى القارة الإفريقية لا يضاهى خطر التمدد الروسى، بالنسبة للمملكة المتحدة!
حين تولى كليفرلى منصبه، فى ٦ سبتمبر الماضى، تعهّد بـ«استعادة» مكانة بلاده على الساحة الدولية بعد «تحررها» من قيود الاتحاد الأوروبى. وفى حوار نشرته جريدة «فاينانشيال تايمز»، منذ أيام، قال إن بريطانيا ستسعى إلى تعزيز قدرات الدول الإفريقية العسكرية، خاصة تلك التى اتجهت للاعتماد على قوات «فاجنر» الروسية بعد فشلها فى الحصول على دعم غربى. كما زعم أن «روسيا والصين قدمتا عروضًا مغرية جدًا لدول القارة، لكنهما لم تحصلا فى المقابل على الاستجابة المنشودة»، وادّعى أن حديثه مع القادة الأفارقة «أظهر عدم ارتياحهم بشأن المديونيات الضخمة التى تطالبهم بها بكين»، إضافة إلى استياء كثير منهم إزاء عدم حضور الصين فى «نادى باريس» لبحث سبل التعامل مع الديون السيادية للدول الفقيرة.
.. وأخيرًا، ربما يقوم وزير الخارجية البريطانى، أو رئيس حكومته، أو وزراء آخرون، بجولات إفريقية أخرى، وقد نرى مزيدًا من اللعب غير النظيف، قبل القمة الإفريقية البريطانية، المقرر عقدها فى أبريل المقبل، التى ستعكس مدى نجاح، أو فشل، المملكة المتحدة فى استمالة دول القارة السمراء.