عروض لا تفوّتها فى المهرجان القومى للمسرح
انطلقت الدورة السادسة عشرة من المهرجان القومى للمسرح، أمس الأول ٢٩ يوليو، وتستمر حتى ١٤ أغسطس المقبل، على مسارح القاهرة، وتحمل اسم الزعيم عادل إمام.
وتعد عودة العروض الكوميدية أبرز الظواهر المميزة للإنتاج المسرحى فى هذا الموسم، ما انعكس على اختيارات العروض فى المهرجان بالضرورة؛ على نحو لا يتعارض بالطبع مع التعدد والتنوع الكبير فى المدارس والمناهج الفنية المسرحية.
«الدستور» طلبت من نقاد مسرحيين ترشيح عرض واحد لجمهور المسرح، فجاءت إجاباتهم كالتالى.
عمرو دوارة:«استدعاء ولى أمر» يناقش تربية الأطفال
عرض «استدعاء ولى أمر» بديع ومحكم الصنع، يتميز بدقة التفاصيل وبالإيقاع العام المنضبط والمناسب لكل مشهد من مشاهد العرض القصيرة المتتالية.
وتعتمد نقطة الانطلاق فى الحبكة التى رسمها المؤلف الشاب محمد سورى على وصول خطاب «استدعاء ولى أمر» للطالب «يحيى»، لتتفجر بعد ذلك مجموعة من الأحداث الدرامية المحملة بالتشويق والمفارقات والمفاجآت، على نحو تمتزج فيه الكوميديا بالمأساة، دون إغراق فى المبالغات أو الثرثرة المجانية.
ويتناول العرض بالرصد والتحليل العلاقات الأسرية، وكذلك مراحل تربية الطفل المصرى، ليوضح كيفية تأثير وخطورة التربية أو التعليم باستخدام العنف على سلوك الأطفال خلال مراحل حياتهم المختلفة، خاصة خلال فترات الطفولة والمراهقة.
محمد سمير الخطيب: «سهرة المحروسة» عن صراع الشرق والغرب
هو عرض مُعد عن نص «مآذن المحروسة» للكاتب المسرحى الكبير محمد أبوالعلا السلامونى. يتناول فيه وضع مصر أثناء الحملة الفرنسية، مبرزًا شخصياته من قواد الحملة والمشايخ، والصراع الذى دار بينهم. ويقدم هذا العرض النص فى إطار «فرجة شعبية» تحتوى على خيال الظل والأراجوز والمحبظاتية، فى قالب تسيطر عليه الكوميديا الشعبية القائمة على المفارقات. يمرر العرض المسرحى بعض القضايا الفكرية، مثل الغزو الثقافى، والصراع بين الشرق والغرب، وغيرهما، كما يقدم فريق عمل النص المسرحى بصورة جديدة قد يختلف معها البعض، لكن تظل تجربة فنية تستحق المشاهدة.
أحمد خميس:«ياسين وبهية» تناول طازج لنص نجيب سرور الشهير
«ياسين وبهية» عرض مبهج تعددت فيه عناصر الجمال بين الأداء التمثيلى رفيع المستوى من بعض الممثلين، ورؤية تمتاز بالطزاجة والذكاء والوعى الفائق بعناصر اللعبة الدرامية، وكيفيات تضافرها وتناغمها للخروج بنتائج مرضية تمامًا.
يستعين العرض بنص مسرحى قديم للمبدع الكبير نجيب سرور، الذى قدم لنا عدة روائع، فى اتجاه استلهام الموروث الشعبى والمغامرة الكبيرة التى دخلها فريق العمل، تتلخص فى أن ذلك النص قُدم من قبل عشرات المرات، وهو أمر زاد من حجم المسئولية الملقاة على عاتق المخرج والممثلين وبقية عناصر الصناعة.
هم أمام واحدة من المسرحيات المحفوظة لكثير من المشاهدين المتابعين للمسرح، فأى الأفكار تنفع؟ وأى التنازلات الطازجة يمكن الاعتماد عليها؟
باسم صدق:«أوليفر» استعراضى جاذب ويصدر حالة من البهجة والحيوية
عرض غنائى بالغ العذوبة أرشحه بقوة لنيل العديد من الجوائز، لما يصدره من بهجة وحيوية لرواية «أوليفر تويست» الشهيرة، التى تتناول قصة الفتى اليتيم «أوليفر».
ويقدم المخرج الشاب الواعد حازم أحمد رؤية استعراضية جاذبة متقنة ومنضبطة، وشديدة التناغم فى كل عناصرها، بدءًًا من تسكين أبطال العرض فى أدوارهم، خاصة بطل العرض نورالدين زكى، الذى يملك حضورًا لافتًا وذكاءً كبيرًا فى توظيف أدواته، لتجسيد مشاعر اليُتم البائسة دون أن تفقد عيناه بريق البهجة والمرح الجاذب. وهذه سمة مشتركة بين كل أبطال العرض، برع المخرج فى تسكين كل منهم فى دوره، وتوجيههم بشكل احترافى حتى إنه وضع تصميمات الاستعراضات.
أحمد زيدان:«جوه الصندوق» يقدم المآسى اليومية فى قالب ساخر دون ابتذال
«جوه الصندوق» عرض كوميدى إنسانى نتاج ورشة المخرج إسلام إمام، ومن إنتاج صندوق التنمية الثقافية، يعتمد فقط على الممثل وقدراته التمثيلية، يحكى مجموعة محاولات انتحار فاشلة نشاهد تفاصيلها ودوافعها الناتجة عن مشاكل مجتمعية آنية، تتماس مع المشاهد فى قالب ضاحك.
يقدم العرض مجموعة موهوبة ومجتهدة من المبدعين، يستعرضون مهاراتهم التمثيلية فى الحكى والارتجال والغناء والرقص، وهو عرض يمنحك فرصة أن تشاهد ما هو يومى وموجع فى قالب ساخر ويضمن لك الضحك دون ابتذال ويحترم عقلك.
محمد الروبى:«خطة كيوبيد» يتناول الحب بصياغة جذابة
عروض كثيرة فى المهرجان تستحق المشاهدة، لكننى ورضوخًا للتحدى، فأنا مجبر على اختيار عرض واحد من بين كم كبير أراه جيدًا مع اختلاف الدرجات، لذلك سأختار جانب الكوميديا والمرح، ربما تعويضًا عن كآبة باتت تلف حياتنا. من بين عروض كوميدية كثيرة تستحق المشاهدة اخترت عرض «خطة كيوبيد»، فالفكرة جميلة وتناولت مفهوم الحب بصياغة فنية جذابة، وأداء تمثيلى واع بطبيعة الحدث والشكل الذى يدور فيه.
لاحظت فى العرض الانضباط والحرص على ألا يقع الممثل فى مبالغات كوميدية يتيحها الموضوع والشخصيات. فقط أتمنى أن يعرض فى القاعة نفسها التى شاهدته فيها. فقد صمم العرض ديكورًا وحركة وعلاقة حميمة مع الجمهور، وفقًا لمساحة هذه القاعة وأخشى ما أخشاه أن يفقد الكثير من رونقه إذا صعد على خشبة تقليدية.
أميرة الشوادفى: «ثلاثة مقاعد فى القطار الأخير» يواجه الانتحار
يناقش عرض «ثلاثة مقاعد فى القطار الأخير» إحدى القضايا والأزمات المعاصرة فى المجتمع، والتى تخص فئة الشباب على الأكثر، وهى قضية الانتحار كرد فعل مأساوى لمواقف الحياة المسببة للضغوط النفسية والفكرية والاجتماعية.
تدور الأحداث الدرامية للعرض حول ٣ حالات انتحار لفتيات أعمارهن لا تتجاوز العشرين عامًا، فى سرد مسرحى منظم لتطور الأحداث التى أدت إلى فكرة الانتحار لكل فتاة، سواء بسبب الضغط النفسى والاجتماعى من الأسرة، أو بسبب الابتزاز الإلكترونى من الشباب للفتيات، أو بسبب الجهل بالمرض النفسى مثل الاكتئاب وعدم احتواء الآباء الأبناء فى لحظات الضعف والخوف التى يمرون بها.
ويستند المؤلف والمخرج مايكل مجدى فى هذا العرض إلى ٣ حالات انتحار، حدثت بالفعل فى الواقع، لفتيات فقدن كل الروابط التى تجعلهن يتمسكن بالحياة. ويستحق «ثلاثة مقاعد فى القطار الأخير» المشاهدة والمنافسة فى عروض مهرجان المسرح القومى فى دورته الحالية، لدعمه تلك القضية المهمة والأسباب التى قد تؤدى إليها، كجرس تنبيه للشباب وذويهم، وأن يقدم طوال العام فى الجامعات المصرية، للتوعية بالأسباب والضغوطات التى تصل بالإنسان لفكرة الانتحار.
منار سعد: «طيب وأمير» وجبة من الكوميديا الذكية والإبهار السمعى والبصرى
العرض دعوة للضحك والتفاؤل، تجمع بين الكوميديا الراقية التى تبنى أحداثها على سوء الفهم، وكوميديا الموقف كإحدى آليات فن الكوميديا، وأيضًا الرسالة التى يحملها العرض بين طياته.
المسرحية استلهام جاد من تراث الفنان نجيب الريحانى، أحد أهم رواد فن الكوميديا، من خلال مسرحيته «سلامة فى خير»، التى تبنى أحداثها على فكرة بسيطة، وهى «الطيب» الذى تدفعه الأحداث والمفارقات الدرامية لأن ينتحل شخصية «الأمير»، الذى يتواجد -عن طريق المصادفة- فى الفندق الذى تدفع الأحداث «الطيب» للتواجد به فى نفس التوقيت.
وتحدث مجموعة من المفارقات الكوميدية، التى تكشف العديد من الصفات الإنسانية النبيلة التى يتحلى بها «الطيب»، وتجعله يقع فى العديد من المشكلات، فى إطار يجمع بين جدية التناول فى مسرح الدولة كإحدى سماته.
أدوات الإبهار والجذب متوافرة فى العرض، كإحدى سمات مسرح القطاع الخاص، فى شكل راقٍ دون إسفاف أو استسهال، وبشكل عصرى ومفردات مستحدثة مواكبة لهنا والآن.
هند سلامة:«شابوه» يعرض الواقع بقيم فنية حديثة
تكمن أهمية هذا العمل فى ابتعاده عن الاستعانة بقوالب مسرحية تقليدية، فلم يسع المخرج ومؤلف العرض للاستعانة بأحد النصوص الكلاسيكية المعروفة، أو اللجوء إلى إعادة كتابة أو الأخذ عن، بل رأى فى الواقع ما هو أشد وأكثر عمقًا وجذبًا لمناقشته وتناوله فنيًا وطرحه على الجمهور، ليعرض عليهم ويذكرهم بما فقدناه من قيم فنية، وكيف تم استبدالها بقيم استهلاكية بحتة. واستطاع العرض أن يعبر عن واقعنا فى قالب كوميدى استعراضى بسيط التناول عميق المضمون، بذكاء ومهارة واحتراف وغزل وكوميديا راقية، فى عمل متماسك دراميًا تجمعه وحدة واحدة، لا يشرد صناعه عن فكرته الأساسية.
وانضبط العمل فى مشاهده، واتسق بين تتابع الضحك والدراما والاستعراض وسعى لتشريح الواقع الحالى بعيدًا عن اللجوء أو الاستعانة بأعمال متماسة مع هذا الواقع.
أيمن غالى:البساطة الفنية سر «سيب نفسك»
«سيب نفسك» عرض مسرحى رغم تقاطعه مع عدة مناهج مسرحية تحتفى بالفرجة الشعبية، فإنه يعتمد على البساطة الفنية، ويراهن مخرجه جمال ياقوت، الواثق فى رؤيته، على فاعلية الأداء التمثيلى ليتصدر الحالة المسرحية، فيُخفف من حضور أدواته الفنية الأخرى فى تبسيط واختزال مُبدع. ويصبح الممثل هو نهر التواصل الوجدانى مع المتلقى، خاصة إن كان هذا الممثل هو فاطمة محمد على، التى تستحضر كل حرفياتها الفنية المكتسبة من تاريخها المسرحى الطويل المتراكم فى التمثيل والغناء، ومؤخرًا فى الاستعراض، فتسيطر تمامًا على الحالة المسرحية لمدة تجاوزت الساعة دون أن تهِن أو تخفت. عرض تتضافر فيه كل العناصر الفنية، بداية من النص و«الدراماتورج» والإخراج والأغانى والألحان والاستعراض، وصولًا إلى الأداء التمثيلى الرائع والممتع فى بساطته.