حديث عن المعاناة
لا شك أنه كان من أهداف ثورة يونيو 2013 رفع المعاناة عن كاهل المصريين، وهو ما تحقق بالفعل. فقد كانت معاناة المصريين مع قطاع واحد من الخدمات صعبة وقاسية، وهو قطاع الكهرباء، ولعلنا لا ننسى قضاء الليل بكامله دون كهرباء، مما ساهم في انتشار الجريمة خصوصًا بعد انتفاضة يناير 2011 وتولى الإخوان المسلمين الحكم. وقتها كانت المعاناة من انقطاع الكهرباء قاسية وصعبة.
ومع قيام ثورة يونيو 2013 وضعت نصب أعينها إحداث نقلة هائلة في هذا القطاع، وتحسن الأداء بطريقة ملحوظة لا يمكن إنكارها.
عاد انقطاع الكهرباء في مصر ليطلّ برأسه من جديد في صورة لم تشهدها البلاد طيلة السنوات الـثمان الماضية، إذ تتجاوز ساعات فصل التيار في بعض المناطق والقرى أكثر من 6 ساعات متواصلة.
واشتكى العديد من المواطنين، خاصة في محافظات الصعيد والدلتا وأجزاء من محافظات القاهرة الكبرى، من الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، والذي يتزامن مع موجة شديدة الحرارة تتعرض لها البلاد، إذ تجاوزت درجات الحرارة حاجز الـ40 في القاهرة، واقتربت من 50 في جنوب الصعيد.
ظهر هذا فجأة بطريقة غير متوقعة في صيف 2023، وبعد عشر سنوات بدأنا نلاحظ تدهورًا شديدًا في خدمات هذا القطاع، وبدأت الكهرباء تنقطع ساعات عديدة عدة مرات في اليوم الواحد. دون مراعاة لظروف الأطفال والمرضى وكبار السن، في ظل درجة حرارة عالية وغير مسبوقة نتيجة خلل في النظام البيئي العالمي، والذي لا دخل لنا فيها.
وقال مصدر بوزارة الكهرباء، إن الارتفاعات المتتالية في درجات الحرارة نتج عنها انقطاع الكهرباء في بعض المحافظات، موضحًا أن الإجراءات التي اتخذتها الدولة ممثلة في مسئولي المحافظات باللجوء للعمل بشكل مستمر نحو صيانة الأجهزة أولا بأول ومنع تعطلها خلال الفترات الأشد حرارة.
من ناحية أخرى، أكد مصدر، أن الأزمة المتكررة التي نتج عنها انقطاع الكهرباء لفترات طويلة بسبب زيادة استهلاك محطات توليد وإنتاج الكهرباء من كميات الغاز الطبيعي، وأن الأزمة هي أزمة غاز وليس كهرباء.
وأوضحت المصادر أن وزارة الكهرباء خاطبت الجهات المتخصصة لسرعة حل المشكلة، لاسيما مع ارتفاع درجات الحرارة المتكررة، ولمنع الانقطاع خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن الجهات لم ترد حتى الآن، وبالإجراءات المرتقبة لضمان حل المشكلة وسرعة توفير احتياجات المحطات الكهربائية من المواد البترولية.
كما أكد بعض المصادر بدء تطبيق خطة تتمثل بقطع الكهرباء في مصر عن أغلب المناطق لمدد تتجاوز 6 ساعات يوميًا منذ بداية يوليو/ تموز الجاري، توفيرًا للغاز الذي تستعمله معظم محطات الكهرباء.
الحقيقة هذا البيان لا يحل مشكلة، ولكنه يؤكد عدة إشكاليات منها:
- كيف لم تتوقع وزارة الكهرباء والأجهزة الإحصائية تلك الأحمال المتكررة وزيادة درجات الحرارة، وهو يعرفه المواطن العادي ويتوقعه، خصوصا بعد الحديث المتكرر في أجهزة الإعلام عن المضاعفات التلوث البيئي، والتي من نتيجتها ارتفاع درجات الحرارة.
- يؤكد البيان غياب التنسيق بين أجهزة الدولة، فمن المسئول عن عدم استجابة الأجهزة المعنية، من بينها وزارة البترول؟
- يؤكد البيان استهانة وزارة الكهرباء بالمواطنين وعدم مراعاة مصالحهم بقطع الكهرباء فترات متتالية تصل لأكثر من أربع ساعات، مما يؤدي إلى إصابة بعضهم بالإجهاد الحراري وتلف الأطعمة في المبردات، وتحميلهم خسائر مادية فوق ما يتحملونه في مجابهة موجات الغلاء العالمية، خصوصا في مصر.
- ويؤكد البيان أن ادعاءاتها بشأن الاكتشافات البترولية والغاز. لم يف بالغرض، وأنها بصدد الضغط على المواطنين لتوفير الغاز. وهو ما يجعلنا نتساءل كيف كانت تسير الأمور في الأعوام السابقة.
الأمر الذي يجعلنا نتساءل حول ادعاءات الوزارة بأنها تقوم بتصدير الكهرباء إلى الجيران من الدول العربية وغيرها، وأهل بيتها يعانون من الحرمان منها.
وهو الأمر الذي فتح المجال للجان الإلكترونية والمواقع التي تبث سمومها بأن ما تفعله الوزارة هو محاولة جديدة لزيادة أسعار الكهرباء فوق طاقة الناس لزيادة معاناتهم. والادعاء بأن الدولة بدأت تتخلى عن مواطنيها، وتقوم بالتعامل معهم طبقًا لعقود إذعان، التي لا تلقي مسئوليات على الجانب المخطئ في العلاقة التعاقدية، ومن المفترض قانونا أن هناك تقصيرا قد حدث من جانب وزارة الكهرباء، نتج عنه إضرار للمواطنين بسبب انقطاع التيار، والتي ينبغي عليها أن تقوم بتعويضهم تعويضًا عادلًا. ولكن هذا غير منصوص عليه في عقود الإذعان التي تحررها تلك الجهات مع المواطنين. بل لابد أن يتقبل الناس مرغمين كل زيادة في أسعار الكهرباء دون نقاش.