موزمبيق.. القوت والياقوت!
حلقات مسلسل «الأجهر»، الذى كتبته «ورشة ملوك» وأخرجه ياسر سامى، ولعب بطولته عمرو سعد، انتهت فى رمضان الماضى، لكن أحداثه، خاصة تلك المتعلقة بالتنقيب عن ثروات القارة السمراء، لا تزال مستمرة، وبلغت ذروتها، الخميس الماضى، بإعلان دار «سوذبيز»، للمزادات، بنيويورك، عن بيع قطعة من الياقوت الموزمبيقى، هى الوحيدة من نوعها فى العالم، مقابل ٣٥ مليون دولار تقريبًا!
قيل إن «نجمة فيروا» سلطت الضوء على موزمبيق كمصدر للياقوت الأحمر القرمزى، المعروف باسم «Pigeon Blond»، أو «دم الحمام». ونقل تقرير نشرته وكالة «بريس أسوسيشن» أن كويج بروننج، مدير معرض «سوذبيز» للمجوهرات، افُتتن بالياقوتة عندما رآها للمرة الأولى، ورأى أنها تستحق السعر القياسى، الذى بيعت به، «نظرًا لحجمها غير المسبوق، ولونها النقى، والدرجة النادرة من الشفافية والوضوح التى تتمتع بها»، موضحًا أنها انضمت إلى قائمة أكثر الأحجار الكريمة الأسطورية فى العالم.
الجوهرة النادرة، يبلغ وزنها ٥٥.٢٢ قيراط، وأطلقوا عليها اسم «ستريلا دو فيورا» أو«نجمة فيورا»، إذ إن «ستريلا» باللغة البرتغالية تعنى «نجمة»، أما «فيورا» فهو اسم الشركة التى توصف بأنها «رائدة فى مجال تعدين الأحجار الكريمة الملوّنة»، التى قالت دار «سوذبيز» إنها ستخصص جزءًا من عائدات بيع هذه الجوهرة النادرة، لإنشاء أكاديمية لتدريب السكان المحليين فى مجالات العمل المختلفة، مثل التعدين والهندسة والنجارة والزراعة. لكن، بقليل من البحث، عرفنا أن هذا الجزء نسبته ٢٪ فقط لا غير!
اللافت، هو أن المنجم الذى جرى استخراج هذه الياقوتة منه، يقع فى منطقة «مونتيبيوز»، التابعة لمقاطعة «كابو ديلجادو»، الغنية أيضًا بالنفط والغاز الطبيعى، التى كنا قد أشرنا، أمس، إلى أن الدولة الشقيقة تخوض فيها، منذ ست سنوات تقريبًا، حربًا شرسة ضد جماعات إرهابية مسلحة، راح ضحيتها أكثر من أربعة آلاف. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن هذه المقاطعة، هى الجزء الوحيد من موزمبيق الذى تسكنه أغلبية مسلمة، تعد إحدى أكثر مناطق العالم فقرًا، وتحولت إلى منصة كبرى للتهريب والتجارة غير المشروعة.
حين نالت موزمبيق استقلالها، سنة ١٩٧٥، بعد ٤٥٠ سنة من الاحتلال البرتغالى، كانت واحدة من أفقر دول العالم. وتفاقم وضعها بسبب الحرب الأهلية، التى عصفت بالبلاد بين ١٩٧٧ و١٩٩٢. لكن، منذ سنة ١٩٩٤ بدأت الدولة الشقيقة خطوات الإصلاح الاقتصادى، التى أسفرت، مع الاستقرار السياسى ومساعدات المانحين، عن تحسينات كبيرة فى معدلات النمو. كما استطاعت الدولة الشقيقة أن تتخلص من غالبية ديونها الخارجية، سواء بإعفائها منها، أو بإعادة جدولتها، و... و... وتتوقع تقديرات صندوق النقد الدولى أن تصل إيراداتها من الغاز الطبيعى وحده، بحلول سنة ٢٠٣٠، إلى ٣ مليارات دولار سنويًا.
مع ذلك، لا يزال معظم سكان الدولة الشقيقة تحت مستوى خط الفقر، ولا يجدون قوت يومهم، أو يواجهون خطر المجاعة، حسب تقارير «برنامج الأغذية العالمى» التابع للأمم المتحدة. وسبب ذلك، بمنتهى البساطة، هو أن الإرهابيين، أو من يحركونهم، لم ينهبوا مقدراتها وثرواتها فقط، بل جعلوها أيضًا طاردة للاستثمارات، التى تبحث عن الأمن والاستقرار فى المقام الأول، قبل حسابات الأرباح أو العوائد. وعليه، كان أبرز الملفات، التى تناولتها مباحثات الرئيسين عبدالفتاح السيسى وفيليبى نيوسى، أمس الأول الجمعة، هو سبل تعزيز التعاون بين البلدين فى مكافحة الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف، عبر تبادل الخبرات والمعلومات.
.. وتبقى الإشارة إلى أن دار «سوذبيز» للمزادات، التى تعد من أكبر سماسرة الفنون والتحف والمجوهرات ورابع أقدم دار مزادات فى العالم، تأسست فى العاصمة البريطانية لندن، سنة ١٧٤٤، ثم انتقل مقرها الرئيسى إلى مدينة نيويورك الأمريكية. ومنذ سنة ٢٠١١ بدأت مبيعاتها تتجاوز الـ٥ مليارات دولار، وبيعت منتصف ٢٠١٩، بـ٣.٧ مليار دولار، لرجل الأعمال الفرنسى الإسرائيلى باتريك دراهى، الذى يسيطر على عدد من وسائل الإعلام الفرنسية، ويقضى معظم أوقاته بين الولايات المتحدة وإسرائيل.