الثقافة بعد يناير 2011
أحدثت ثورة يناير 2011 تغييرات جوهرية في مسيرة الدولة شملت معظم مناحي الحياة، عرف الشعب كيف يفرض إرادته، وجرب الاختيار المندفع والمتهور، ولم يكن يعلم أن اختياراته السياسية ستقوده لردة عميقة، فالدول بدأت تفيق وتستقل وتبتعد عن أفكار الحكم الديني، ولم يعد في العالم سوى ثلاث دول أو أكثر تحكمها نظم دينية، هي إيران وأفغانستان والسعودية. ولكن الشعب أفاق سريعًا بعد ما لاحظه من ممارسات استبدادية لا مجال لشرحها.
خلال فترة حكمهم أصاب المجتمع الثقافي كله الذعرُ، من تحريم الآثار وتحريم الأغاني والموسيقى والأفلام وغيرها، قائمة طويلة من المحرمات التي كانوا يريدون فرضها على المجتمع ككل.
أول وزير ثقافة كان الدكتور جابر عصفور، الذي تولى وزارة الثقافة لأول مرة في 31 يناير 2011 ضمن آخر حكومة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكنه تقدم بالاستقالة من المنصب بعد 10 أيام فقط، ثم عاد وتولى الوزارة في يونيو 2014 وحتى فبراير 2015.
مشكلة مصر في الأساس اقتصادية، فنال الشق الاقتصادي اهتمامات الدولة الجديدة التي جاءت بعد 30 يونيو 2013، كما نال الجانب العسكري أيضًا الاهتمام بحكم وجود مصر وسط منطقة قلاقل سياسية على حدودها الغربية والشرقية، وتحولت بوصلة العداوة ناحية جيراننا في غزة وفي ليبيا والسودان، فكان لأجل هذا ينبغي تسليح جيشنا، وقد كان. أما الجانب الثقافى فكان في ذيل قائمة الاهتمامات إن لم يكن غائبًا.
الشق الثقافي توارى خجلًا في ذيل الاهتمامات ولم تعطِ الطبيعة السياسية لتلك المرحلة فرصة لأي وزير ثقافة يتم تعيينه لالتقاط أنفاسه، ففي خلال عام واحد هو 2011 تولى وزارة الثقافة أربعة من الوزراء هم: في 31 يناير 2011 تولى الدكتور جابر عصفور منصب وزير الثقافة. في 10 فبراير 2011 تولى محمد عبدالمنعم الصاوي منصب وزير الثقافة. وفي 5 مارس 2011 تولى الدكتور عماد أبوغازي منصب وزير الثقافة. وفي السابع من شهر ديسمبر 2011 تولى الدكتور شاكر عبدالحميد منصب وزير الثقافة. وفي 26 مايو 2012 تولى الدكتور محمد صابر عرب منصب وزير الثقافة. الدكتور محمد إبراهيم على وزير الآثار- قام بأعمال وزير الثقافة. أغسطس 2012 الدكتور محمد صابر عرب في حكومة هشام قنديل. وتم تعيين الدكتور علاء عبدالعزيز وزيرًا للثقافة، ولكن المثقفين احتلوا مكتبه ورفضوا دخوله، فترك منصبه في 6 يوليو 2013. وفي 16 يوليو 2013 تولى الدكتور محمد صابر عرب حقيبة الوزارة مرة أخرى في حكومة حازم الببلاوي حتى يوليو 2014. في 16 من يوليو 2014 تولى الدكتور جابر عصفور حقيبة الوزارة مرة أخرى في حكومة إبراهيم محلب حتى مارس 2015. في الخامس من مارس 2015 تولى الدكتور عبدالواحد النبوي منصب وزير الثقافة في حكومة محلب الثانية حتى سبتمبر 2015. وتولى الكاتب الصحفي حلمي النمنم منصب وزارة الثقافة في سبتمبر 2015 وحتى يناير 2018. وتولت الدكتورة إيناس عبدالدايم منصب وزير الثقافة في حكومة شريف إسماعيل كأول سيدة تتقلد حقيبة الوزارة حتى 2022. في أغسطس 2022 تولت الدكتورة نيفين الكيلاني، وزارة الثقافة حتى الآن.
بالطبع لا تزال ثورة يناير 2011 في أول عهدها، فلا يمكن اكتشاف أثرها كاملًا بعد، بعكس ثورة 1952 التي مر عليها وقت طويل يكفي لإظهار تأثيرها في الثقافة المصرية والاعتراف بفضلها كاملًا. ومع ذلك، فحتى ثورة 2011، يمكن أن نتبين بعض ثمارها في الكتابة الأدبية والسياسية.
جاء جيل ثورة يناير بعد فترة طويلة من انتكاسة ثورة 1952، أي بعد فترة طويلة من انسحاب الجيل المبدع السابق وتركه الساحة شبه خاوية. ولنكتفى بذكر أمثلة قليلة. لقد توقف يوسف إدريس عن الإبداع في السبعينيات، وتضاءل بشدة إنتاج كمال الطويل والموجي وصلاح جاهين في الوقت نفسه. هاجر هجرة مؤقتة أحمد بهاءالدين وعبدالعظيم أنيس ومحمود العالم، وكثيرون غيرهم، في السبعينيات أيضًا. وعندما عاد بعضهم في الثمانينيات كان عليهم الانزواء بصورة أو بأخرى بسبب ما فرضه المناخ السياسي والاجتماعي من ضعف الحافز على الإبداع. بعبارة أخرى، عندما جاء جيل ثورة 2011 لم يجد في الساحة أمثال الحكيم وطه حسين والعقاد، ولا أمثال عبدالوهاب وأم كلثوم، ولا أمثال يوسف وهبي والريحاني، ولا وجد خلفاءهم المبدعين بل وجدت الساحة، ويا للأسف، شبه خاوية، وكأن على هذا الجيل أن يشيد بنيانًا جديدًا تمامًا، ابتداء من وضع الأساس.
كما توقفت المشروعات الكبرى التي تم إنجازها بوسطة الوزير فاروق حسني، ومنها مشروع مكتبة الأسرة والقراءة للجميع، وقد قامت حكومة الأردن بتنفيذ المشروعين في بلادها في 2006. تحت رعاية الملكة رانيا العبدالله.
مكتبة الأسرة هو مشروع مصري لنشر روائع الأدب من أعمال إبداعية وفكرية وفلسفية، وكذلك تقديم الأعمال التي شكلت مسيرة الحضارة منذ فجر التاريخ حتى الآن.
كما ساء حال الثقافة، وأصبحت مجالًا للشكوى والتذمر بين المثقفين خصوصًا في مجالات جوائز الدولة بكل أنواعها.