محافظون وتجارب (1)
يتحمل المحافظون مسئولية حياتنا اليومية بكل تفاصيلها بدون أى مبالغة، بداية من كوب الماء الذي نشربه، والهواء الذي نتنفسه، ووسائل المواصلات التي نستقلها، مدارس أولادنا، مشترياتنا، السلع وتوافرها أو اختفائها، والأسواق والرقابة عليها.
فمن اختصاصاتهم، سنعرف أنهم المسئولون عن تفاصيل حياتنا كلها، بما أعطاهم القانون من صلاحيات واختصاصات تمكنهم من التدخل في كل تفصيله، لدرجة وصف البعض المحافظ بأنه "رئيس جمهورية المحافظة".
فوفقاُ لقانون الإدارة المحلية فإن المحافظ هو ممثل السلطة التفيذية بالمحافظة، وله حق مراقبة وتنفيذ السياسة العامة للدولة، ومتابعة مرافق الخدمات والإنتاج ويكون المحافظ أيضا مسئولاً عن الأخلاق والقيم العامة وعن حماية حقوق الإنسان، كما يكون مسئولاً عن الأمن ويعاونه فى ذلك مدير الأمن، فى إطار السياسة التي تضعها وزارة الداخلية، ويلتزم مدير الأمن بإخطاره فورا بالحوادث ذات الأهمية الخاصة، لاتخاذ التدابير اللازمة بالإتفاق بينهما.
وعلى المحافظ وفقا لقانون الإدارة المحلية أن يتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أملاك الدولة العامة والخاصة، وإزالة ما يقع عليها من تعديات، إلى جانب صلاحيات أخرى كثيرة منحها القانون للمحافظ حتى يقوم بدورة كاملا .
وعلى مدى الـ50 عاما الماضية شهدنا متغيرات كثيرة حدثت في مجتمعنا، بعضها سلبي وبعضها إيجابي، فقد تابعنا كيف انتشرت العشوائيات، وكيف تآكلت الأراضي الزراعية، وشاهدنا كيف اختفت المتنزهات العامة والمساحات الخضراء، وعشنا عصر تحول الأرصفة إلى محلات تجارية.
وشاهدنا مطاردات دورية بين إدارات المرافق والجائلين في كل مكان، نشرنا وقرأنا حوارات لمسئولين كبار يعترفون فيها بأن مطاردة الجائلين ليست الحل، ومازالت المطاردات مستمرة.
عايشنا عصر بزنس الأكشاك بدعوة فتح أبواب الرزق، كنا شهود على رحلة صعود أصحاب فاترينات الكبدة وكافيهات الأماكن العامة ثم دخول أصحابها عالم البيزنس والسياسة والحياة العامة.
سمعنا عن مافيا نهب الأراضي وانتشار يافطات "هذه الأرض ليست للبيع" عاصرنا ظهور حيتان المبانى والأبراج والأراضي.
شاهدنا العمارات تعلو وترتفع داخل الحارات الضيقة؛ لدرجه دفعت محافظًا كبيرًا لتعيين "ناضورجية" بموتسكلات تجوب الأحياء لرصد مخالفات البناء.
عاصرنا كيف أوقعنا فخ الخصخصة في الاستعانة بشركات أجنبية لجمع قمامتنا، وفشلها وهروبها بأموال المصريين. وعشنا بين أكوام القمامة سنوات في المقابل. عاصرنا توسعات عمرانية كبيرة شهدتها القرى والمدن ضاعفت من مساحاتها، وانتشرت المدراس ومكاتب الخدمات الحكومية بالتوازى مع الانفجار السكاني.
اختفى الطوب اللبن من الريف واختطلت القرى بالمدن في شكل المبانى وفي العادات وفي السلوك .
وطوال فترة عملي الصحفي متخصصًا في قطاع المحليات اقتربت خلالها بعدد من المحافظين وتابعت تجاربهم، بما يمكن أن نستخلصها هنا لعلها تكون مفيدة لنا ولغيرنا في وقتنا الراهن.
ولنتذكر معا أسماء سيتوقف أمامها التاريخ وقد حفظت بالفعل في ذاكرة المعاصرين لهم .
نتذكر منهم مع كامل الاحترام: الفريق يوسف صبري أبو طالب ود.عبدالرحيم شحاتة، واللواءعادل لبيب، واللواء إسماعيل الجوسقي، واللواءعبدالسلام المحجوب، والفريق محمد الشحات، واللواء نبيل العزبي و د.رجائي الطحلاوي، واللواء سمير فرج، والمستشارعدلى حسين، ود. عبدالمنعم عمارة وغيرهم، سوف نتناول أبرز أعمالهم وطريقة إدارتهم ببعض من التفصيل بشهادات حية ممن عاصروهم في هذه المساحة على مدى الأسابيع المقبلة.