«ولا فى الأحلام».. 120 دقيقة من الكوميديا الاستعراضية على مسرح قصر النيل
فى عام ١٩٥٤ أُنشئ مسرح ودار سينما قصر النيل، هذا المسرح العريق الذى وقفت عليه أم كلثوم تغنى روائعها: «هجرتك» و«أروح لمين» و«الحب كده» و«كل ليلة وكل يوم» و«سلوا قلبى»، إلى جانب حفلات أخرى لكبار المطربين.
وعلى هذا المسرح أيضًا، قدّم محمد صبحى وسمير غانم روائعهما المسرحية سنوات طويلة، قبل أن يغلق فترة قاربت على ١٠ سنوات. كما أنه مزود بنظام معمارى يدعم الصوت إلى حد كبير، لذا كان اختيارًا عبقريًا أن يُعاد افتتاح المسرح بالمسرحية الغنائية الرائعة «ولا فى الأحلام».
«ولا فى الإحلام».. مسرحية غنائية استعراضية، من تأليف وأشعار وتلحين إبراهيم موريس وإخراج هانى عفيفى، وتناقش فكرة البحث عن السعادة واحتيال بعض الناس فى بحثهم عنها للهروب من الواقع إلى الخيال أو الحلم أو الواقع الافتراضى، كما فى عصرنا الحالى.
تدور أحداث المسرحية فى فترة الستينيات حول الأخوين «برجل وسفرجل» اللذين يعيشان سويًا، أولهما «برجل» وهو عالم فى الكيمياء الحالم الذى يجرى تجاربه المعملية لاختراع دواء يساعد الإنسان على أن يحلم بما يسعده ويكفى فقط أن يركز ويفكر فيه حتى يستدعيه فى أحلامه.
يجرب «برجل» الدواء على أخيه «سفرجل» الذى يزعجه عدم التفات «جميلة» حبيبته له وتجاهلها الدائم له وعدم انتباهها لانشغاله بها طوال الوقت، هذا الانشغال الذى يجعله هو أيضًا مشغولًا وغافلًا عن الانتباه لحب «زهرة».
يهرب «سفرجل» عبر الدواء إلى حلم يرى فيه الواقع كما يتمنى، فحبيبته الرقيقة تراه وتبادله الحب وتشارك سعادته بأكل «السميت»، والتنزه بالحديقة، وتعطف على الفقراء، لكنها فى حلم آخر تبدو بصورة مغايرة كليًا، فينتبه إلى زهرة الرقيقة التى تحبه ويجد فيها الحبيبة كما تمناها.
وبعد أن يتزوجا وتعتركهما الحياة بمسئولية البيت والأطفال، تتحول الصورة الحالمة إلى كابوس، يستيقظ أخيرًا «سفرجل» من الحلم الممتد الذى تحوّل إلى «كابوس» ليدرك أنه الوحيد القادر على صناعة سعادته، وأن الأحلام مؤقتة، بينما الواقع باقٍ وعليه أن يعمل بجد واجتهاد على التغيير للأجمل بإيجابية، ودون أن يهرب لعوالم الأحلام التى مهما بلغ جمالها فهى وهمية.
جاءت كل مفردات العرض لتتسم بالبساطة وتشع البهجة والجمال فى «سيمفونية» متناغمة، فالدراما للمؤلف إبراهيم موريس عالجت الفكرة ببعدها الخيالى معالجة الكوميدية، دون أن تخل بعمق الفكرة، والأشعار والألحان التى صاغها المؤلف ذاته جاءت بسيطة وجميلة ونابعة من الدراما، وكانت تتسلل للقلوب ببساطة السهل الممتنع.
أما عن المعالجة الإخراجية، فقد تصدى هانى عفيفى فى هذا العرض إلى لون مسرحى افتقدناه كثيرًا، وهو المسرح الغنائى الذى لا يخفى على المتابعين للمسرح صحوته وازدهاره فى الفترة الأخيرة وعودته للساحة بقوة.
هذا اللون تحديدًا يكمن نجاحه عادة فى الجمال والبساطة والقدرة على نسج تناغم وانسجام بين كل مفردات العرض بداية من المعالجة الكوميدية التى تناسب كل أفراد الأسرة التى رسمت على الوجوه ابتسامة طول العرض دون أى ابتذال، وحتى الصيغة الغنائية الاستعراضية التى كانت بمثابة المغامرة.
وحرص المخرج على أن يكون الأداء الغنائى المصاحب للاستعراض حيًا، ولم يكن لينجح لو لم يتخير المخرج أبطاله من متعددى المهارات «التمثيل والغناء والاستعراض» بدقة، حيث محمد عبده ومنى هلا وزهرة رامى وهانى عبدالناصر وشادى عبدالسلام ومنار الشاذلى وكريستين عشم وبهاء الطمبارى وتالا رضوان ونادين براى وحبيبة عادل، وجميعهم تميزوا بحضور صوتى وجسدى قوى على المسرح، وأداء صادق واحترافى، فلم يبخلوا بطاقاتهم على العرض واستطاعوا إدارتها دون أن تنفد أو تقل على الامتداد الزمنى للعرض.
وجاءت كل مفردات الصورة التى صاغها المخرج لتحافظ على زهاء وجاذبية الحالة المسرحية، فالاستعراضات بسيطة ومستلهمة من طاقات الحلم الحرة المتجهة للسماء من تصميم سالى أحمد، كما اختارت مروة عودة للأزياء ألوانًا زاهية، مستلهمة تصميمات هذا العصر على نحو واقعى، وكذلك استخدم الديكور للمصمم محمد الغرباوى نفس الدرجات اللونية، وكان خاطفًا للأبصار، ومتحدًا مع الإضاءة لياسر شعبان فى إعطاء تأثير ملائم لتباينات الخطوط الفاصلة بين الحلم والواقع.
وقد تكون تلك الخلطة اللونية «الديكور والأزياء والإضاءة» أحد أهم عناصر الجذب فى العرض المسرحى، كونها دعمت حالة البهجة وزهاء الحلم.
لذا إذا أردت أن تقضى سواء بمفردك أو مع أفراد أسرتك أمسية ممتعة وجميلة تحفز طاقتك الإيجابية، وتمتعك، وترضى ذائقتك كمتفرج، فإننى أشجعك على الذهاب إلى عرض «ولا فى الأحلام»، لتعيش قرابة الساعتين فى نقطة لونية زاهية ومبهجة بين الحلم والواقع.